لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ شُرْطَةٍ يُنْصِفُ الضَّعِيفَ مِنَ الْقَوِيِّ، وَالثَّالِثُ صَاحِبُ خَرَاجٍ يَسْتَقْصِي وَلَا يَظْلِمُ الرَّعِيَّةَ.
ثُمَّ عَضَّ عَلَى إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: آهٍ آهٍ. قِيلَ: مَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: صَاحِبُ بَرِيدٍ يَكْتُبُ خَبَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ.
وَقِيلَ: دَعَا الْمَنْصُورُ بِعَامِلٍ قَدْ كَسَرَ خَرَاجَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَدِّ مَا عَلَيْكَ! فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ شَيْئًا. وَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَبْ مَا عَلَيَّ لِلَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ.
وَقِيلَ: وَأُتِيَ بِعَامِلٍ، فَحَبَسَهُ وَطَالَبَهُ، فَقَالَ الْعَامِلُ: عَبْدُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: بِئْسَ الْعَبْدُ أَنْتَ! فَقَالَ: لَكِنَّكَ نِعْمَ الْمَوْلَى. قَالَ: أَمَّا لَكَ فَلَا.
قِيلَ: وَأُتِيَ بِخَارِجِيٍّ قَدْ هَزَمَ لَهُ جُيُوشًا، فَأَرَادَ ضَرْبَ رَقَبَتِهِ، ثُمَّ ازْدَرَاهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ! مِثْلُكَ يَهْزِمُ الْجُيُوشَ؟ ! فَقَالَ لَهُ: وَيْلَكَ وَسَوْأَةً لَكَ أَمْسِ، بَيْنِي وَبَيْنَكَ السَّيْفُ، وَالْيَوْمَ الْقَذْفُ وَالسَّبُّ، وَمَا كَانَ يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ وَقَدْ يَئِسْتُ مِنَ الْحَيَاةِ فَلَا تَسْتَقِيلُهَا أَبَدًا؟ فَاسْتَحْيَا مِنْهُ الْمَنْصُورُ وَأَطْلَقَهُ.
قِيلَ: وَكَانَ شَغْلُ الْمَنْصُورِ، فِي صَدْرِ نَهَارِهِ، بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوِلَايَاتِ، وَالْعَزْلِ، وَشَحْنِ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ، وَأَمْنِ السُّبُلِ، وَالنَّظَرِ فِي الْخَرَاجِ وَالنَّفَقَاتِ، وَمَصْلَحَةِ مَعَاشِ الرَّعِيَّةِ، وَالتَّلَطُّفِ بِسُكُونِهِمْ وَهَدْيِهِمْ، فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ جَلَسَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ.
فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ جَلَسَ يَنْظُرُ فِيمَا وَرَدَ مِنْ كُتُبِ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ وَالْآفَاقِ، وَشَاوَرَ سُمَّارَهُ، فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ (قَامَ إِلَى فِرَاشِهِ، وَانْصَرَفَ سُمَّارُهُ، وَإِذَا مَضَى الثُّلُثُ الثَّانِي قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَجْلِسُ فِي إِيوَانِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute