قِيلَ: وَقَالَ لِلْمَهْدِيِّ: لَا تُبْرِمْ أَمْرًا حَتَّى تُفَكِّرَ فِيهِ، فَإِنَّ فِكْرَ الْعَاقِلِ مِرْآتُهُ تُرِيهِ حَسَنَهُ وَسَيِّئَهُ. يَا بُنَيَّ! لَا يَصْلُحُ السُّلْطَانُ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَلَا تَصْلُحُ رَعِيَّتُهُ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَلَا تَعْمُرُ الْبِلَادُ بِمِثْلِ الْعَدْلِ، وَأَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ، وَأَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَاعْتَبِرْ عَمَلَ صَاحِبِكَ وَعِلْمَهُ بِاخْتِبَارِهِ.
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! لَا تَجْلِسْ مَجْلِسًا إِلَّا وَمَعَكَ مِنْ [أَهْلِ] الْعِلْمِ مَنْ يُحَدِّثُكَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ أَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْحَمْدَ أَسَاءَهَا، وَمَا أَبْغَضَ الْحَمْدَ أَحَدٌ إِلَّا اسْتُذِمَّ، وَمَا اسْتُذِمَّ إِلَّا كُرِهَ.
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! لَيْسَ الْعَاقِلُ الَّذِي يَحْتَالُ لِلْأَمْرِ الَّذِي غَشِيَهُ، بَلِ الْعَاقِلُ الَّذِي يَحْتَالُ لِلْأَمْرِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ.
وَقَالَ لِلْمَهْدِيِّ يَوْمًا: كَمْ رَايَةً عِنْدَكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ: (هَذَا وَاللَّهِ التَّضْيِيعُ، وَأَنْتَ) لِأَمْرِ الْخِلَافَةِ أَشَدُّ تَضْيِيعًا، وَلَكِنْ قَدْ جَمَعْتُ لَكَ مَا لَا يَضُرُّكَ مَعَهُ مَا ضَيَّعْتَ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا خَوَّلَكَ.
قِيلَ: وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ يَتَكَلَّمُ فَيَبْلُغُ حَاجَتَهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ، غَيْرُ الْمَنْصُورِ، وَأَخِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَمِّهِمَا دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ.
قِيلَ: وَخَطَبَ الْمَنْصُورُ يَوْمًا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَاعْتَرَضَهُ إِنْسَانٌ فَقَالَ: أَيُّهَا الْإِنْسَانُ أُذَكِّرُكَ مَنْ ذَكَّرْتَ بِهِ! فَقَطَعَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ قَالَ: سَمْعًا، سَمْعًا لِمَنْ حَفِظَ عَنِ اللَّهِ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ جَبَّارًا عَنِيدًا، أَوْ تَأْخُذُنِي الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.
وَأَنْتَ أَيُّهَا الْقَائِلُ، فَوَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ بِهَذَا الْقَوْلِ اللَّهَ، وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ قَامَ، فَقَالَ، فَعُوقِبَ، فَصَبَرَ، وَأَهْوَنَ بِهَا، وَيْلَكَ، لَقَدْ هَمَمْتُ، وَاغْتَنِمْهَا إِذْ عَفَوْتُ، وَإِيَّاكَ، وَإِيَّاكُمْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أُخْتَهَا، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ عَلَيْنَا نُزِّلَتْ، وَمِنْ عِنْدِنَا فُصِّلَتْ، فَرُدُّوا الْأَمْرَ إِلَى أَهْلِهِ، تُورِدُوهُ مَوَارِدَهُ، وَتُصْدِرُوهُ مَصَادِرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute