للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَيْتُ الْخِلْقَةَ الَّتِي وُصِفَتْ لِي، فَاتَّخَذْتُهُ وَزِيرًا، فَلَمَّا وَلِيَ الْوِزَارَةَ أَرْسَلَ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ، فَجَمَعَهُمْ وَوَلَّاهُمْ أُمُورَ الْخِلَافَةِ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ:

بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ ... إِنَّ الْخَلِيفَةَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ

ضَاعَتْ خِلَافَتُكُمْ يَا قَوْمِ فَالْتَمِسُوا ... خَلِيفَةَ اللَّهِ بَيْنَ النَّايِ وَالْعُودِ.

فَحَسَدَهُ مَوَالِي الْمَهْدِيِّ، وَسَعَوْا بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ فِي يَدِ يَعْقُوبَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ فَيَثُورُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُوا الدُّنْيَا [لِإِسْحَاقَ بْنِ الْفَضْلِ] ، فَمَلَأَ ذَلِكَ قَلْبَ الْمَهْدِيِّ.

وَلَمَّا بَنَى الْمَهْدِيُّ عِيسَابَاذَ أَتَاهُ خَادِمٌ مِنْ خَدَمِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ لِي: أَبَنَى مُتَنَزَّهًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ أَلْفِ أَلْفٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فَحَفِظَهَا الْمَهْدِيُّ، وَنَسِيَ أَحْمَدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَظَنَّ أَنَّ يَعْقُوبَ قَالَهَا، فَبَيْنَمَا يَعْقُوبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِذْ لَبَّبَهُ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، وَقَالَ: أَلَسْتَ الْقَائِلَ كَيْتَ وَكَيْتَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا قَلْتُهُ وَلَا سَمِعْتُهُ! قَالَ: وَكَانَ السُّعَاةُ يَسْعَوْنَ لَيْلًا، وَيَتَفَرَّقُونَ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَقْبِضُهُ بُكْرَةً فَإِذَا أَصْبَحَ غَدَا عَلَيْهِ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ تَبَسَّمَ وَسَأَلَهُ عَنْ مَبِيتِهِ.

وَكَانَ الْمَهْدِيُّ مُسْتَهْتِرًا بِالنِّسَاءِ، فَيَخُوضُ يَعْقُوبُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَفْتَرِقَانِ عَنْ رِضًى

ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِيَعْقُوبَ بِرْذَوْنٌ كَانَ يَرْكَبُهُ، فَخَرَجَ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ الْمَهْدِيِّ وَعَلَيْهِ طَيْلَسَانٌ يَتَقَعْقَعُ مِنْ كَثْرَةِ دَقِّهِ، وَالْبِرْذَوْنُ مَعَ الْغُلَامِ وَقَدْ نَامَ الْغُلَامُ، فَرَكِبَ يَعْقُوبُ، وَأَرَادَ تَسْوِيَةَ الطَّيْلَسَانِ، فَنَفَرَ مِنْ قَعْقَعَتِهِ فَسَقَطَ، فَدَنَا مِنْ دَابَّتِهِ، فَرَفَسَهُ، فَانْكَسَرَ سَاقُهُ، فَانْقَطَعَ عَنِ الرُّكُوبِ.

فَعَادَهُ الْمَهْدِيُّ مِنَ الْغَدِ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهُ، فَتَمَكَّنَ السُّعَاةُ مِنْهُ، فَأَظْهَرَ الْمَهْدِيُّ السُّخْطَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُجِنَ فِي سِجْنِ نَصْرٍ، وَأُخِذَ عُمَّالُهُ وَأَصْحَابُهُ فَحُبِسُوا.

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ: بَعَثَ إِلَيَّ الْمَهْدِيُّ يَوْمًا، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ مَفْرُوشٍ بِفَرْشٍ مُوَرَّدٍ عَلَى بُسْتَانٍ فِيهِ شَجَرٌ، وَرُءُوسُ الشَّجَرِ مَعَ صَحْنِ الْمَجْلِسِ، وَقَدِ اكْتَسَى ذَلِكَ الشَّجَرُ بِالْأَزْهَارِ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ، وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا نَحْوُ ذَلِكَ الْفَرْشِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا.

فَقَالَ لِي: يَا يَعْقُوبُ! كَيْفَ تَرَى مَجْلِسَنَا هَذَا؟ قُلْتُ: عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>