غَايَةِ الْحُسْنِ، فَمَتَّعَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ قَالَ: هُوَ لَكَ بِمَا فِيهِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ لِيَتِمَّ سُرُورُكَ بِهِ، قَالَ: فَدَعَوْتُ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا يَعْقُوبُ، وَلِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ أُحِبُّ أَنْ تَضْمَنَ لِي قَضَاءَهَا، قُلْتُ: الْأَمْرُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَيَّ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، فَاسْتَحْلَفَنِي بِاللَّهِ وَبِرَأْسِهِ، فَحَلَفْتُ لَأَعْمَلَنَّ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُحِبُّ أَنْ تَكْفِيَنِي مَئُونَتَهُ وَتُرِيحَنِي مِنْهُ وَتُعَجِّلَ ذَلِكَ، قُلْتُ: أَفْعَلُ.
فَأَخَذْتُهُ وَأَخَذْتُ الْجَارِيَةَ وَجَمِيعَ مَا فِي الْمَجْلِسِ، وَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلِشِدَّةِ سُرُورِي بِالْجَارِيَةِ صَيَّرْتُهَا فِي مَجْلِسٍ بَيْنِي وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأَدْخَلْتُ الْعَلَوِيَّ إِلَيَّ وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَالِهِ، فَأَخْبَرَنِي وَإِذَا هُوَ أَعْقَلُ النَّاسِ، وَأَحْسَنُهُمْ إِبَانَةً عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا يَعْقُوبُ، تَلْقَى اللَّهَ بِدَمِي، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!
قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، فَهَلْ فِيكَ أَنْتَ خَيْرٌ؟ قَالَ: إِنْ فَعَلْتَ خَيْرًا شَكَرْتُ، وَلَكَ عِنْدِي دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ.
فَقُلْتُ: أَيُّ الطُّرُقِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَأَرْسَلْتُ إِلَى مَنْ يَثِقُ إِلَيْهِ الْعَلَوِيُّ، فَأَخَذَهُ وَأَعْطَيْتُهُ مَالًا، وَأَرْسَلَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى الْمَهْدِيِّ تُعْلِمُهُ الْحَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَ الْعَلَوِيَّ وَصَاحِبَهُ وَالْمَالَ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ اسْتَحْضَرَنِي الْمَهْدِيُّ وَسَأَلَنِي عَنِ الْعَلَوِيِّ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي قَتَلْتُهُ، فَاسْتَحْلَفَنِي بِاللَّهِ وَبِرَأْسِهِ، فَحَلَفْتُ لَهُ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَأَخْرَجَ الْعَلَوِيَّ وَصَاحِبَهُ وَالْمَالَ، فَبَقِيتُ مُتَحَيِّرًا، وَامْتَنَعَ مِنِّي الْكَلَامُ فَمَا أَدْرِي مَا أَقُولُ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: قَدْ حَلَّ لِي دَمُكَ، وَلَكِنِ احْبِسُوهُ فِي الْمُطْبِقِ وَلَا أُذَكَّرُ بِهِ.
فَحُبِسْتُ فِي الْمُطْبِقِ، وَاتُّخِذَ لِي فِيهِ بِئْرٌ، فَدُلِّيتُ فِيهَا، فَبَقِيتُ مُدَّةً لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا، وَأُصِبْتُ بِبَصَرِي.
قَالَ: فَإِنِّي لَكَذَلِكَ إِذْ دُعِيَ بِي، وَقِيلَ لِي: سَلِّمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ! فَسَلَّمْتُ، قَالَ: أَيُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا؟ قُلْتُ: الْمَهْدِيُّ، قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمَهْدِيَّ قُلْتُ: فَالْهَادِي، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْهَادِي. قُلْتُ: فَالرَّشِيدُ، قَالَ: نَعَمْ! سَلْ حَاجَتَكَ. قُلْتُ: الْمُقَامُ بِمَكَّةَ، فَمَا بَقِيَ فِيَّ مُسْتَمْتَعٌ لِشَيْءٍ وَلَا بَلَاغٌ، فَأَذِنَ لِي، فَسِرْتُ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: فَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ بِهَا حَتَّى مَاتَ.
وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ ضَجِرَ بِمَوْضِعِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ، وَكَانَ أَصْحَابُ الْمَهْدِيِّ يَشْرَبُونَ عِنْدَهُ، فَكَانَ يَعْقُوبُ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَعِظُهُ، وَيَقُولُ: لَيْسَ عَلَى هَذَا اسْتَوْزَرْتَنِي، وَلَا عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute