للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَتَبَ الْمَهْدِيُّ عَلَى بَعْضِ الْقُوَّادِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ لَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: إِلَى مَتَى تُذْنِبُ [إِلَيَّ وَأَعْفُو] ؟ قَالَ: إِلَى أَبَدٍ نُسِيءُ، وَيُبْقِيكَ اللَّهُ فَتَعْفُوَ عَنَّا، فَاسْتَحْيَا مِنْهُ وَرَضِيَ عَنْهُ.

وَقَالَ مِسْوَرُ بْنُ مُسَاوِرٍ: ظَلَمَنِي وَكِيلُ الْمَهْدِيِّ، وَغَصَبَنِي ضَيْعَةً لِي، فَكَتَبْتُ إِلَى الْمَهْدِيِّ أَتَظَلَّمُ، فَوَصَلْتُ الرُّقْعَةَ وَعِنْدَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَعَافِيَةُ الْقَاضِي، فَاسْتَدْنَانِي الْمَهْدِيُّ، وَسَأَلَنِي عَنْ حَالِي، فَذَكَرْتُهُ، فَقَالَ: أَتَرْضَى بِأَحَدِ هَذَيْنِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! فَاسْتَدْنَانِي حَتَّى الْتَزَقْتُ بِالْفِرَاشِ، وَحَاكَمَنِي، فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: أَطْلِقْهَا لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ لَهَذَا الْمَجْلِسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

وَخَرَجَ الْمَهْدِيُّ مُتَنَزِّهًا، وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ رَبِيعٍ مَوْلَاهُ، فَانْقَطَعَا فِي الصَّيْدِ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَأَصَابَ الْمَهْدِيَّ جُوعٌ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَرَى كُوخًا، فَقَصَدُوهُ، فَإِذَا فِيهِ نَبَطِيٌّ، وَعِنْدَهُ مَبْقَلَةٌ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، فَقَالُوا: هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ فَقَالَ: عِنْدِي رُبَيْثَاءُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الصَّحْنَاةِ، وَعِنْدِي خُبْزُ شَعِيرٍ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: (إِنْ كَانَ عِنْدَكَ زَيْتٌ، فَقَدْ أَكْمَلْتَ. قَالَ: نَعَمْ، وَكُرَّاثٌ، فَأَتَاهُمَا بِذَلِكَ، فَأَكَلَا حَتَّى شَبِعَا. فَقَالَ الْمَهْدِيُّ) لِعُمَرَ بْنِ رَبِيعٍ: قُلْ فِي هَذَا شِعْرًا، فَقَالَ:

إِنَّ مَنْ يُطْعِمُ الرُّبَيْثَاءَ بِالزَّيْتِ ... وَخُبْزِ الشَّعِيرِ بِالْكُرَّاثِ

لَحَقِيقٌ بِصَفْعَةٍ أَوْ بِثِنْتَيْنِ ... لِسُوءِ الصَّنِيعِ أَوْ بِثَلَاثِ

فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: بِئْسَ مَا قُلْتَ! إِنَّمَا هُوَ:

لَحَقِيقٌ بِبَدْرَةٍ أَوْ بِثِنْتَيْنِ ... لِحُسْنِ الصَّنِيعِ أَوْ بِثَلَاثِ

قَالَ: وَوَافَاهُمُ الْعَسْكَرُ، وَالْخَزَائِنُ، وَالْخَدَمُ، فَأَمَرَ لِلنَّبَطِيِّ بِثَلَاثِ بِدَرٍ وَانْصَرَفَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْوَصِيفُ: أَصَابَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ أَيَّامَ الْمَهْدِيِّ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَسُوقُنَا إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>