للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُلْبِسُهَا لُبْسَةَ الْغِلْمَانِ، وَيُرْكِبُهَا مَعَهُ، فَلَمَّا مَاتَتْ وَجَدَ عَلَيْهَا، وَأَمَرَ أَنْ لَا يُحْجَبَ عَنْهُ أَحَدٌ، فَدَخَلَ النَّاسُ يُعَزُّونَهُ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا تَعْزِيَةً أَبْلَغَ وَلَا أَوْجَزَ مِنْ تَعْزِيَةِ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهَا مِنْكَ، وَثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْهَا، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لَا يُحْزِنَكَ، وَلَا يَفْتِنَكَ، وَأَنْ يُعْطِيَكَ عَلَى مَا رُزِئْتَ أَجْرًا، وَيُعْقِبَكَ صَبْرًا، وَلَا يَجْهَدُ لَكَ بَلَاءٌ، وَلَا يَنْزِعُ مِنْكَ نِعْمَةً، وَأَحَقُّ مَا صُبِرَ عَلَيْهِ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى رَدِّهِ.

ذِكْرُ خِلَافَةِ الْهَادِي

وَبُويِعَ لِابْنِهِ مُوسَى الْهَادِي فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمَهْدِيُّ، وَهُوَ مُقِيمٌ بِجُرْجَانَ، يُحَارِبُ أَهْلَ طَبَرِسْتَانَ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمَهْدِيُّ كَانَ الرَّشِيدُ مَعَهُ بِمَاسَبَذَانَ، فَأَتَاهُ الْمَوَالِي وَالْقُوَّادُ، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ عَلِمَ الْجُنْدُ بِوَفَاةِ الْمَهْدِيِّ لَمْ تَأْمَنِ الشَّغَبَ، وَالرَّأْيُ أَنْ تُنَادِيَ فِيهِمْ بِالرُّجُوعِ، حَتَّى تُوَارِيَهُ بِبَغْدَاذَ.

فَقَالَ هَارُونُ: ادْعُو إِلَيَّ أَبِي يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ، وَكَانَ يَحْيَى يَتَوَلَّى مَا كَانَ إِلَى الرَّشِيدِ مِنْ أَعْمَالِ الْمَغْرِبِ، مِنَ الْأَنْبَارِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَاسْتُدْعِيَ يَحْيَى إِلَى الرَّشِيدِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِيمَا رَأَى هَؤُلَاءِ؟ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ. قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْفَى، وَلَا آمَنُ إِذَا عَلِمَ الْجُنْدُ، أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِمَحْمَلِهِ، وَيَقُولُوا: لَا نُخَلِّي حَتَّى نُعْطَى لِثَلَاثِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ، وَيَتَحَكَّمُوا وَيَشْتَطُّوا وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يُوَارَى، رَحِمَهُ اللَّهُ، هَاهُنَا وَتُوَجِّهَ نُصَيْرًا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْهَادِي بِالْخَاتَمِ وَالْقَضِيبِ، وَالتَّعْزِيَةِ، وَالتَّهْنِئَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُنْكِرُونَ خُرُوجَهُ، إِذْ هُوَ عَلَى بَرِيدِ النَّاحِيَةِ، وَأَنْ تَأْمُرَ لِمَنْ تَبِعَكَ مِنَ الْجُنْدِ بِجَوَائِزَ مِائَتَيْنِ، وَتُنَادِيَ فِيهِمْ بِالرُّجُوعِ فَلَا تَكُونُ لَهُمْ هِمَّةٌ سِوَى أَهْلِهِمْ.

فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَبَضَ الْجُنْدُ الدَّرَاهِمَ تَنَادَوْا: بَغْدَاذَ بَغْدَاذَ! وَأَسْرَعُوا إِلَيْهَا، فَلَمَّا بَلَغُوهَا وَعَلِمُوا خَبَرَ الْمَهْدِيِّ أَتَوْا بَابَ الرَّبِيعِ، وَأَحْرَقُوهُ، وَأَخْرَجُوا مَنْ كَانَ فِي الْحُبُوسِ، وَطَالَبُوا بِالْأَرْزَاقِ.

فَلَمَّا قَدِمَ الرَّشِيدُ بَغْدَاذَ أَرْسَلَتِ الْخَيْزُرَانُ إِلَى رَبِيعٍ وَإِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ تَسْتَدْعِيهِمَا لِتُشَاوِرَهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَمَّا الرَّبِيعُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا يَحْيَى فَامْتَنَعَ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ غَيْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>