للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ، قُلْتُ: فَأَنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَاسْمِي مُحَمَّدٌ فَابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: قُلْتُ: فَأَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ مُحَمَّدٍ. قُلْتُ: فَأَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ، فَابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عَلِيٍّ، قُلْتُ: فَأَنَا ابْنُ عَلِيٍّ، فَابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قُلْتُ: فَأَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، فَلَوْ لَمْ يَبْلُغِ الْعَبَّاسَ مَا شَكَكْتُ أَنِّي صَاحِبُ الْأَمْرِ.

قَالَ: فَتَحَدَّثْتُ بِهَا ذَلِكَ الزَّمَانَ، وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ الْمَهْدِيَّ، حَتَّى وَلِيَ الْمَهْدِيُّ، فَدَخَلَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَرَأَى اسْمَ الْوَلِيدِ، فَقَالَ: أَرَى اسْمَ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَوْمِ، فَدَعَا بِكُرْسِيٍّ، فَأُلْقِيَ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: مَا أَنَا بِبَارِحٍ حَتَّى يُمْحَى وَيُكْتَبَ اسْمِي مَكَانَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ جَالِسٌ.

وَخَرَجَ الْمَهْدِيُّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لَيْلًا، فَسَمِعَ أَعْرَابِيَّةً تَقُولُ: قَوْمِي مُقْتِرُونَ، نَبَتْ عَنْهُمُ الْعُيُونُ، وَفَدَحَتْهُمُ الدُّيُونُ، وَعَضَّتْهُمُ السُّنُونُ، بَادَتْ رِجَالُهُمْ، وَذَهَبَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَكَثُرَتْ عِيَالُهُمْ، أَبْنَاءُ سَبِيلٍ، وَأَنْضَاءُ طَرِيقٍ، وَصِيَّةُ اللَّهِ، وَوَصِيَّةُ الرَّسُولِ، فَهَلْ مِنْ آمِرٍ لِي بِخَيْرٍ، كَلَأَهُ اللَّهُ فِي سَفَرِهِ، وَخَلَّفَهُ فِي أَهْلِهِ! قَالَ: فَأَمَرَ لَهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ الْمَهْدِيُّ: مَا تَوَسَّلَ أَحَدٌ إِلَيَّ بِوَسِيلَةٍ هِيَ أَقْرَبُ مِنْ تَذْكِيرِي يَدًا سَلَفَتْ مِنِّي إِلَيْهِ أُتْبِعُهَا أُخْتَهَا، وَأُحْسِنُ رَبَّهَا، فَإِنَّ مَنْعَ الْأَوَاخِرِ يَقْطَعُ شُكْرَ الْأَوَائِلِ.

وَكَانَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ قَدْ هَجَا صَالِحَ بْنَ دَاوُدَ، أَخَا يَعْقُوبَ، حِينَ وَلِيَ، فَقَالَ:

هُمْ حَمَلُوا فَوْقَ الْمَنَابِرِ صَالِحًا ... أَخَاكَ فَضَجَّتْ مِنْ أَخِيكَ الْمَنَابِرُ

فَبَلَغَ يَعْقُوبَ هِجَاؤُهُ، فَدَخَلَ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا الْأَعْمَى الْمُشْرِكَ قَدْ هَجَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: يُعْفِينِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ إِنْشَادِهِ. فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ، فَأَنْشَدَهُ:

خَلِيفَةٌ يَزْنِي بِعَمَّاتِهِ ... يَلْعَبُ بِالدَّبُّوقِ وَالصَّوْلَجَانِ

أَبْدَلَنَا اللَّهُ بِهِ غَيْرَهُ ... وَدَسَّ مُوسَى فِي حِرِّ الْخَيْزُرَانِ.

فَوَجَّهَ فِي حَمْلِهِ، فَخَافَ يَعْقُوبُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَيَمْدَحَهُ فَيَعْفُوَ عَنْهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ مَنْ يُلْقِيهِ فِي الْبَطِيحَةِ فِي الْخَرَّارَةِ.

وَمَاتَتِ الْيَاقُوتَةُ بِنْتُ الْمَهْدِيِّ، وَكَانَ مُعْجَبًا بِهَا لَا يُطِيقُ الصَّبْرَ عَنْهَا، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>