سَارَ بِجَمَاعَةٍ وَسِلَاحٍ مِنَ الْبَصْرَةِ لِخَوْفِ الطَّرِيقِ، فَاجْتَمَعُوا بِذِي طُوًى، وَكَانُوا قَدْ أَحْرَمُوا بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ طَافُوا وَسَعَوْا، وَحَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ، وَعَسْكَرُوا بِذِي طُوًى، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ حَجَّ مِنْ شِيعَتِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ وَقُوَّادِهِمْ.
ثُمَّ إِنَّهُمُ اقْتَتَلُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ، وَجُرِحَ، وَانْصَرَفَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَا حَالُ الْحُسَيْنِ، فَلَمَّا بَلَغُوا ذَا طُوًى لَحِقَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُ: الْبُشْرَى، الْبُشْرَى، هَذَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ فَأَخْرَجَهُ، وَبِجَبْهَتِهِ ضَرْبَةٌ طُولَى، وَعَلَى قَفَاهُ ضَرْبَةٌ أُخْرَى، وَكَانُوا قَدْ نَادَوُا الْأَمَانَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو الزِّفْتِ، فَوَقَفَ خَلْفَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَالْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَأَخَذَهُ مُوسَى بْنُ عِيسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَتَلَاهُ.
فَغَضِبَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَأَخَذَ رُءُوسَ الْقَتْلَى، فَكَانَتْ مِائَةَ رَأْسٍ وَنَيِّفًا، وَفِيهَا رَأْسُ [الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَأُخِذَتْ أُخْتُ الْحُسَيْنِ، فَتُرِكَتْ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ، وَاخْتَلَطَ الْمُنْهَزِمُونَ بِالْحَاجِّ، وَأُتِيَ الْهَادِي (بِسِتَّةِ أَسْرَى) ، فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ، وَاسْتَبْقَى بَعْضَهُمْ، وَغَضِبَ عَلَى مُوسَى بْنِ عِيسَى كَيْفَ قَتَلَ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَبَضَ أَمْوَالَهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ، وَغَضِبَ عَلَى مُبَارَكٍ التُّرْكِيِّ، وَأَخَذَ مَالَهُ، وَجَعَلَهُ سَائِسَ الدَّوَابِّ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْهَادِي.
[بَدْءُ الْأُسْرَةِ الْإِدْرِيسِيَّةِ بِالْمَغْرِبِ] وَأَفْلَتَ مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ إِدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَتَى مِصْرَ وَعَلَى بَرِيدِهَا وَاضِحٌ مَوْلَى صَالِحِ بْنِ الْمَنْصُورِ، وَكَانَ شِيعِيًّا لَعَلِيٍّ، فَحَمَلَهُ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى أَرْضِ الْمَغْرِبِ، فَوَقَعَ بِأَرْضِ طَنْجَةَ، بِمَدِينَةِ وَلَيْلَةَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَنْ بِهَا مِنَ الْبَرْبَرِ. فَضَرَبَ الْهَادِي عُنُقَ وَاضِحٍ وَصَلَبَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ الرَّشِيدَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ. وَإِنَّ الرَّشِيدَ دَسَّ عَلَى إِدْرِيسَ الشَّمَّاخَ الْيَمَامِيَّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute