أُمُورِهِمْ إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا تَقَوَّضَ الْمَجْلِسُ قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ مَا جَرَى لَهُ، وَسَأَلَهُ مُجَازَاةَ الْأَعْرَابِيِّ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّهُ أَعْرَابِيٌّ، وَيُغْنِيهِ عَشَرَةُ آلَافٍ. فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَجُودُ أَنَا، وَتَبْخَلُ أَنْتَ! .
وَقِيلَ: خَرَجَ يَوْمًا إِلَى عِيَادَةِ أُمِّهِ الْخَيْزُرَانِ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الرَّبِيعِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ هَذَا؟ تَنْظُرُ فِي الْمَظَالِمِ. فَرَجَعَ إِلَى دَارِ الْمَظَالِمِ، وَأَذِنَ لِلنَّاسِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ يَتَعَرَّفُ أَخْبَارَهَا.
وَقِيلَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ يَتَوَلَّى شُرْطَةَ الْمَهْدِيِّ، قَالَ: فَكَانَ الْمَهْدِيُّ يَأْمُرُنِي بِضَرْبِ نُدَمَاءِ الْهَادِي وَمُغَنِّيهِ، وَحَبْسِهِمْ صِيَانَةً لَهُ عَنْهُمْ، فَكُنْتُ أَفْعَلُ وَكَانَ الْهَادِي يُرْسِلُ إِلَيَّ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَلَا أَفْعَلُ، فَلَمَّا وَلِيَ الْهَادِي أَيْقَنْتُ بِالتَّلَفِ، اسْتَحْضَرَنِي يَوْمًا، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ مُتَحَنِّطًا مُتَكَفِّنًا وَهُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَالسَّيْفُ وَالنَّطْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: لَا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ! أَتَذْكُرُ يَوْمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ فِي أَمْرِ الْحَرَّانِيِّ وَضَرْبِهِ، فَلَمْ تُجِبْنِي، وَفِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَعَدَّدَ نُدَمَاءَهُ، فَلَمْ تَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِي. قُلْتُ: نَعَمْ! أَفَتَأْذَنُ فِي ذِكْرِ الْحُجَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ وَلَّيْتَنِي مَا وَلَّانِي الْمَهْدِيُّ، وَأَمَرْتَنِي بِمَا أَمَرَ، فَبَعَثَ إِلَيَّ بَعْضُ بَنِيكَ بِمَا يُخَالِفُ أَمْرَكَ، فَاتَّبَعْتُ أَمْرَهُ وَخَالَفْتُ أَمْرَكَ؟ قَالَ: لَا! قُلْتُ: فَكَذَلِكَ أَنَا لَكَ، وَكَذَا كُنْتُ لِأَبِيكَ.
فَاسْتَدْنَانِي، فَقَبَّلْتُ يَدَهُ، ثُمَّ أَمَرَ لِي بِالْخُلَعِ، وَقَالَ: وَلَّيْتُكَ مَا كُنْتَ تَتَوَلَّاهُ، فَامْضِ رَاشِدًا! فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي مُفَكِّرًا فِي أَمْرِي وَأَمْرِهِ، وَقُلْتُ: حَدَثٌ يَشْرَبُ، وَالْقَوْمُ الَّذِي عَصَيْتُهُ فِي أَمْرِهِمْ نُدَمَاؤُهُ، وَوُزَرَاؤُهُ، وَكُتَّابُهُ.
فَكَأَنِّي بِهِمْ حِينَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الشَّرَابُ قَدْ أَزَالُوهُ عَنْ رَأْيِهِ. قَالَ: فَإِنِّي لَجَالِسٌ، وَعِنْدِي بَيِّنَةٌ لِي، وَالْكَانُونُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَرُقَاقٌ أَشْطُرُهُ بِكَامَخٍ، وَأُسَخِّنُهُ، وَأُطْعِمُ الصِّبْيَةَ، وَآكُلُ، وَإِذَا بِوَقْعِ الْحَوَافِرِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ الدُّنْيَا قَدْ زُلْزِلَتْ لِوَقْعِهَا، وَلِكَثْرَةِ الضَّوْضَاءِ، فَقُلْتُ: هَذَا مَا كُنْتُ أَخَافُهُ.
وَإِذَا الْبَابُ قَدْ فُتِحَ، وَإِذَا الْخَدَمُ قَدْ دَخَلُوا، وَإِذَا الْهَادِي فِي وَسَطِهِمْ عَلَى دَابَّتِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَثَبْتُ، فَقَبَّلْتُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَحَافِرَ دَابَّتِهِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! إِنِّي فَكَّرْتُ فِي أَمْرِكَ، فَقُلْتُ يَسْبِقُ إِلَى وَهْمِكَ أَنَّنِي إِذَا شَرِبْتُ وَحَوْلِي أَعْدَاؤُكَ، أَزَالُوا حُسْنَ رَأْيِي فِيكَ، فَيُقْلِقُكَ ذَلِكَ، فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِكَ لِأُونِسَكَ.
وَأُعْلِمُكَ أَنَّ مَا كَانَ عِنْدِي لَكَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute