للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحِقْدِ قَدْ زَالَ، فَهَاتِ وَأَطْعِمْنِي مِمَّا كُنْتَ تَأْكُلُ لِتَعْلَمَ أَنِّي قَدْ تَحَرَّمْتُ بِطَعَامِكَ، فَيَزُولَ خَوْفُكَ.

فَأَدْنَيْتُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الرُّقَاقِ وَالْكَامَخِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: هَاتُوا الزُّلَّةَ الَّتِي أَزْلَلْتُهَا لِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ مَجْلِسِي، فَأُدْخِلَتْ إِلَيَّ أَرْبَعُمِائَةِ بَغْلٍ مُوَقَّرَةٍ دَرَاهِمَ وَغَيْرَهَا، فَقَالَ: هَذِهِ لَكَ، فَاسْتَعِنْ بِهَا عَلَى أَمْرِكَ، وَاحْفَظْ هَذِهِ الْبِغَالَ عِنْدَكَ لَعَلِّي أَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِبَعْضِ أَسْفَارِي، ثُمَّ انْصَرَفَ.

قِيلَ: وَكَانَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ يَقُولُ: مَا لِعَرَبِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيِّ عِنْدَكَ مَا لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ، فَإِنَّهُ دَخَلَ إِلَيَّ الْحَبْسَ، وَقَالَ لِي: أَمَرَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْهَادِي أَنْ أَضْرِبَكَ مِائَةَ سَوْطٍ، فَأَقْبَلَ يَضَعُ السَّوْطَ عَلَى يَدَيَّ وَمَنْكِبِي يَمَسُّنِي بِهِ مَسًّا إِلَى أَنْ عَدَّ مِائَةَ سَوْطٍ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لَهُ الْهَادِي: مَا صَنَعْتَ بِهِ؟ قَالَ: صَنَعْتُ الَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ، وَقَدْ مَاتَ الرَّجُلُ.

فَقَالَ الْهَادِي: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَضَحْتَنِي، وَاللَّهِ عِنْدَ النَّاسِ، يَقُولُونَ: قُتِلَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ، فَلَمَّا رَأَى شِدَّةَ جَزَعِهِ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ حَيٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ.

وَقِيلَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلْمِ بْنِ قُتَيْبَةَ مِنَ الْهَادِي بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ، فَمَاتَ لَهُ وَلَدٌ، فَأَتَاهُ الْهَادِي يُعَزِّيهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ! سَرَّكَ وَهُوَ عَدُوُّ وَفِتْنَةٌ، وَحَزَنَكَ وَهُوَ صَلَاةٌ وَرَحْمَةٌ؟ . فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا بَقِيَ مِنِّي جُزْءٌ فِيهِ حُزْنٌ، إِلَّا وَقَدِ امْتَلَأَ عَزَاءً.

فَلَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ صَارَتْ مَنْزِلَتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ سَلْمٍ.

قِيلَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي يُلَقَّبُ الْجَزَرِيَّ، قَدْ تَزَوَّجَ رُقَيَّةَ بِنْتَ عَمْرٍو الْعُثْمَانِيَّةَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ الْمَهْدِيِّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْهَادِي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَعْيَاكَ النِّسَاءُ إِلَّا امْرَأَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟

قَالَ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا نِسَاءَ جَدِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا غَيْرُهُنَّ فَلَا، وَلَا كَرَامَةَ، فَشَجَّهُ بِمِخْصَرَةٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَجَلَدَهُ خَمْسَمِائَةِ سَوْطٍ، وَأَرَادَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرْبِ.

وَكَانَ فِي يَدِهِ خَاتَمٌ نَفِيسٌ، فَأَهْوَى بَعْضُ الْخَدَمِ عَلَى الْخَاتَمِ لِيَأْخُذَهُ، فَقَبَضَ عَلَى يَدِهِ فَدَقَّهَا، فَصَاحَ، فَأَتَى الْهَادِي، فَأَرَاهُ يَدَهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَفْعَلُ هَذَا بِخَادِمِي عَلَى اسْتِخْفَافِكَ بِأَبِي وَقَوْلِكَ لِي مَا قُلْتَ؟ قَالَ: سَلْهُ، وَاسْتَحْلِفْهُ أَنْ يَصْدُقَكَ، فَفَعَلَ. فَأَخْبَرَهُ الْخَادِمُ وَصَدَقَهُ، فَقَالَ: أَحْسَنَ وَاللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّي، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>