فَآمَنُهُمْ، فَسَكَنَ النَّاسُ وَأَمِنُوا.
وَفَرَّقَ أَبُو الْهَيْذَامِ أَصْحَابَهُ، وَبَقِيَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، فَطَمِعَ فِيهِ إِسْحَاقُ، فَبَذَلَ الْأَمْوَالَ لِلْجُنُودِ لِيُوَاقِعَ أَبَا الْهَيْذَامِ، فَأَرْسَلَ الْعُذَافِرَ السَّكْسَكِيَّ فِي جَمْعٍ إِلَى أَبِي الْهَيْذَامِ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَانْهَزَمَ الْعُذَافِرُ.
وَدَامَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ أَبِي الْهَيْذَامِ وَبَيْنَ الْجُنُودِ مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْمَسَاءِ، وَحَمَلَتْ خَيْلُ أَبِي الْهَيْذَامِ عَلَى الْجُنْدِ، فَجَالُوا ثُمَّ تَرَاجَعُوا وَانْصَرَفُوا، وَقَدْ جُرِحَ مِنْهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَذَلِكَ نِصْفَ صَفَرٍ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ لَمْ يَقْتَتِلُوا إِلَى الْمَسَاءِ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ تَقَدَّمَ إِسْحَاقُ فِي الْجُنْدِ، فَقَاتَلَهُمْ عَامَّةَ اللَّيْلِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، وَاسْتَمَدَّ أَبُو الْهَيْذَامِ أَصْحَابَهُ، وَأَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ فَاقْتَتَلُوا وَالْجُنْدُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَجَاءَتْهُمُ الْيَمَانِيَّةُ، وَخَرَجَ أَبُو الْهَيْذَامِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَهُمْ قَلِيلُونَ: انْزِلُوا، فَنَزَلُوا، وَقَاتَلُوهُمْ عَلَى بَابِ الْجَابِيَةِ، حَتَّى أَزَالُوهُمْ عَنْهُ.
ثُمَّ إِنَّ جَمْعًا مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَغَارُوا عَلَى قَرْيَةٍ لِأَبِي الْهَيْذَامِ، فَأَرْسَلَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَيْهِمْ، فَقَاتَلُوهُمْ فَانْهَزَمَ أَهْلُ حِمْصَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَأَحْرَقُوا قُرًى فِي الْغُوطَةِ لِلْيَمَانِيَّةِ، وَأَحْرَقُوا دَارِيَّا، ثُمَّ بَقُوا نَيِّفًا وَسَبْعِينَ يَوْمًا لَمْ تَكُنْ حَرْبٌ.
فَقَدِمَ السِّنْدِيُّ، مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْآخِرِ، فِي الْجُنُودِ مِنْ عِنْدِ الرَّشِيدِ فَأَتَتْهُ الْيَمَانِيَّةُ تُغْرِيهِ بِأَبِي الْهَيْذَامِ، وَأَرْسَلَ أَبُو الْهَيْذَامِ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ عَلَى الطَّاعَةِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ دِمَشْقَ، وَإِسْحَاقُ بِدَارِ الْحَجَّاجِ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَرْسَلَ السِّنْدِيُّ قَائِدًا فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَأَخْرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو الْهَيْذَامِ أَلْفًا، فَلَمَّا رَآهُمُ الْقَائِدُ رَجَعَ إِلَى السِّنْدِيِّ، فَقَالَ: أَعْطِ هَؤُلَاءِ مَا أَرَادُوا، فَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا الْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْحَيَاةِ، فَصَالَحَ أَبُو الْهَيْذَامِ، وَأَمِنَ أَهْلُ دِمَشْقَ وَالنَّاسُ.
وَسَارَ أَبُو الْهَيْذَامِ إِلَى حَوْرَانَ، وَأَقَامَ السِّنْدِيُّ بِدِمَشْقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَدِمَ مُوسَى بْنُ عِيسَى وَالِيًا عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا أَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ يَوْمًا، وَاغْتَنَمَ غِرَّةَ أَبِي الْهَيْذَامِ فَأَرْسَلَ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ، فَكَبَسُوا دَارَهُ، فَخَرَجَ هُوَ وَابْنُهُ خُرَيْمٌ وَعَبْدٌ لَهُ، فَقَاتَلُوهُمْ، وَنَجَا مِنْهُمْ وَانْهَزَمَ الْجُنْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute