للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يُبَاشِرُ الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ فَصِيحًا، شَاعِرًا، وَلَمَّا وَلِيَ خَرَجَ عَلَيْهِ عَمَّاهُ سُلَيْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ، وَكَانَا فِي بَرِّ الْعُدْوَةِ الْغَرْبِيَّةِ، فَعَبَرَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَلَنْسِيُّ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، فَتَوَلَّى بَلَنْسِيَةَ، وَتَبِعَهُ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ، وَكَانَ بِطَنْجَةَ، وَأَقْبَلَا يُؤَلِّبَانِ النَّاسَ عَلَى الْحَكَمِ، وَيُثِيرَانِ الْفِتْنَةَ، فَتَحَارَبُوا مُدَّةً وَالظَّفَرُ لِلْحَكَمِ.

ثُمَّ إِنَّ الْحَكَمَ ظَفِرَ بِعَمِّهِ سُلَيْمَانَ، فَقَتَلَهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ.

[وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ] فَأَقَامَ بِبَلَنْسِيَةَ، وَقَدْ كَفَّ عَنِ الْفِتْنَةِ، وَخَافَ فَرَاسَلَ الْحَكَمَ فِي الصُّلْحِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَوَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَزَوَّجَ أَوْلَادَ عَبْدِ اللَّهِ بِأَخَوَاتِهِ، وَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ.

وَلَمَّا اشْتَغَلَ الْحَكَمُ بِالْفِتْنَةِ مَعَ عَمَّيْهِ اغْتَنَمَ الْفِرِنْجُ الْفُرْصَةَ، فَقَصَدُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ، وَأَخَذُوا مَدِينَةَ بَرْشَلُونَةَ وَاتَّخَذُوهَا دَارًا، وَنَقَلُوا أَصْحَابَهُمْ إِلَيْهَا، وَتَأَخَّرَتْ عَسَاكِرُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا، وَكَانَ أَخْذُهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ.

ذِكْرُ غَزْوِ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ الْحَكَمُ صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ جَيْشًا مَعَ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مُغِيثٍ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَدَخَلَ الْبِلَادَ، وَبَثَّ السَّرَايَا يَنْهَبُونَ، وَيُقَتِّلُونَ، وَيُحَرِّقُونَ الْبِلَادَ، وَسَيَّرَ سَرِيَّةً، فَجَازُوا خَلِيجًا مِنَ الْبَحْرِ كَانَ الْمَاءُ قَدْ جَزَرَ عَنْهُ، وَكَانَ الْفِرِنْجُ قَدْ جَعَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَرَاءَ الْخَلِيجِ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْبُرَ إِلَيْهِمْ، فَجَاءَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِمْ، فَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعَ مَالِهِمْ، وَأَسَرُوا الرِّجَالَ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ فَأَكْثَرُوا، وَسَبَوُا الْحَرِيمَ، وَعَادُوا سَالِمِينَ إِلَى عَبْدِ الْكَرِيمِ.

وَسَيَّرَ طَائِفَةً أُخْرَى، فَخَرَّبُوا كَثِيرًا مِنْ بِلَادِ فَرَنْسِيَّةَ، وَغَنِمَ أَمْوَالَ أَهْلِهَا، وَأَسَرُوا الرِّجَالَ، فَأَخْبَرَهُ بَعْضُ الْأَسْرَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ قَدْ سَبَقُوا الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَادٍ وَعْرِ الْمَسْلَكِ عَلَى طَرِيقِهِمْ، فَجَمَعَ عَبْدُ الْكَرِيمِ عَسَاكِرَهُ، وَسَارَ عَلَى تَعْبِئَةٍ، وَجَدَّ السَّيْرَ، فَلَمْ يَشْعُرِ الْكُفَّارُ إِلَّا وَقَدْ خَالَطَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، فَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ، فَانْهَزَمُوا، وَغَنِمَ مَا مَعَهُمْ، وَعَادَ سَالِمًا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>