أَقْتُلَ فِيكُمْ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُكُمْ فِي عَسْكَرِهِ، وَلَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْصِيَهُ. قَالُوا: افْعَلْ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْفِرُوا حُفَيْرَةً، وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْإِبِلِ فَذَبَحَهَا حَتَّى كَثُرَ الدَّمُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ مَاءً، فَسَارَ الدَّمُ فِي الْعَسْكَرِ، فَأَمَرَ بِالْقَتْلَى الَّذِينَ كَانَ قَتَلَهُمْ، فَأُلْقُوا فَوْقَ الْمَوَاشِي، فَلَمَّا نَظَرَ جُودَرْسُ إِلَى الدَّمِ قَدْ بَلَغَ عَسْكَرَهُ أَرْسَلَ إِلَى نُبُوزَاذَانَ: أَنِ ارْفَعِ الْقَتْلَ عَنْهُمْ فَقَدِ انْتَقَمْتُ مِنْهُمْ بِمَا فَعَلُوا.
وَهِيَ الْوَقْعَةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا - فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا - ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا - إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا - عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: ٤ - ٨] ، وَ " عَسَى " [وَعْدٌ] مِنَ اللَّهِ حَقٌّ.
وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ الْأُولَى بُخْتُنَصَّرَ وَجُنُودَهُ، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمُ الْكَرَّةَ، ثُمَّ كَانَتِ الْوَقْعَةُ الْأَخِيرَةُ جُودَرْسَ وَجُنُودَهُ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ الْوَقْعَتَيْنِ، فَبِهَا كَانَ خَرَابُ بِلَادِهِمْ وَقَتْلُ رِجَالِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء: ٧] .
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَتْلَ يَحْيَى كَانَ أَيَّامَ أَرْدَشِيرَ بْنِ بَابَكَ، وَقِيلَ: كَانَ قَتْلُهُ قَبْلَ رَفْعِ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ قَتْلِ زَكَرِيَّاءَ
لَمَّا قُتِلَ يَحْيَى وَسَمِعَ أَبُوهُ بِقَتْلِهِ فَرَّ هَارِبًا فَدَخَلَ بُسْتَانًا عِنْدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِيهِ أَشْجَارٌ، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ فِي طَلَبِهِ، فَمَرَّ زَكَرِيَّاءُ بِالشَّجَرَةِ. فَنَادَتْهُ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ! فَلَمَّا أَتَاهَا انْشَقَّتْ فَدَخَلَهَا، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِ وَبَقِيَ فِي وَسَطِهَا. فَأَتَى عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ فَأَخَذَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute