ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى تَمَّامٍ، فَجَمَعَ جَمْعًا وَسَارَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ مُحَمَّدًا وَيُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا وَصَلَ قَالَ ابْنُ الْأَغْلَبِ لِمُحَمَّدٍ: إِنَّ تَمَّامًا انْهَزَمَ مِنِّي وَأَنَا فِي قِلَّةٍ، فَلَمَّا وَصَلْتَ إِلَى الْبِلَادِ تَجَدَّدَ لَهُ طَمَعٌ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْجُنْدَ يَخْذُلُونَكَ، وَالرَّأْيُ أَنْ أَسِيرَ أَنَا وَمَنْ مَعِي مِنْ أَصْحَابِي فَنُقَاتِلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَارَ إِلَيْهِ فَقَاتَلَهُ، فَانْهَزَمَ تَمَّامٌ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَحِقَ بِمَدِينَةِ تُونِسَ، فَسَارَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَغْلَبِ إِلَيْهِ لِيَحْصُرَهُ، فَطَلَبَ مِنْهُ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَغْلَبِ إِفْرِيقِيَّةَ
لَمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَأَطَاعَهُ تَمَّامٌ، كَرِهَ أَهْلُ الْبِلَادِ ذَلِكَ، وَحَمَلُوا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَغْلَبِ عَلَى أَنْ كَتَبَ إِلَى الرَّشِيدِ يَطْلُبُ مِنْهُ وِلَايَةَ إِفْرِيقِيَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ.
وَكَانَ عَلَى دِيَارِ مِصْرَ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ تُحْمَلُ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ مَعُونَةً، فَنَزَلَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ ذَلِكَ، وَبَذَلَ أَنْ يَحْمِلَ كُلَّ سَنَةٍ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَحْضَرَ الرَّشِيدُ ثِقَاتِهِ وَاسْتَشَارَهُمْ (فِيمَنْ يُوَلِّيهِ) إِفْرِيقِيَّةَ، وَذَكَرَ لَهُمْ كَرَاهَةَ أَهْلِهَا وِلَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ.
فَأَشَارَ هَرْثَمَةُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَغْلَبِ، وَذَكَرَ لَهُ مَا رَآهُ مِنْ عَقْلِهِ وَدِينِهِ وَكِفَايَتِهِ، وَأَنَّهُ قَامَ بِحِفْظِ إِفْرِيقِيَّةَ عَنِ ابْنِ مُقَاتِلٍ، فَوَلَّاهُ الرَّشِيدُ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، فَانْقَمَعَ الشَّرُّ، وَضَبَطَ الْأَمْرَ، وَسَيَّرَ تَمَّامًا، وَكُلَّ مَنْ يَتَوَثَّبُ عَلَى الْوُلَاةِ، إِلَى الرَّشِيدِ، فَسَكَنَتِ الْبِلَادُ، وَابْتَنَى مَدِينَةً سَمَّاهَا الْعَبَّاسِيَّةَ بِقُرْبِ الْقَيْرَوَانِ، وَانْتَقَلَ إِلَيْهَا بِأَهْلِهِ وَعَبِيدِهِ.
وَخَرَجَ عَلَيْهِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ بِمَدِينَةِ تُونِسَ، اسْمُهُ حَمْدِيسُ، فَنَزَعَ السَّوَادَ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَغْلَبِ عِمْرَانَ بْنَ مَخْلَدٍ فِي عَسَاكِرَ كَثِيرَةٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُبْقِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إِنْ ظَفِرَ بِهِمْ.
فَسَارَ عِمْرَانُ، وَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، وَصَارَ أَصْحَابُ حَمْدِيسَ يَقُولُونَ: بَغْدَاذَ! بَغْدَاذَ! وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، فَانْهَزَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute