حَمْدِيسُ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ، وَدَخَلَ عِمْرَانُ تُونِسَ.
ثُمَّ بَلَغَ ابْنَ الْأَغْلَبِ أَنَّ إِدْرِيسَ بْنَ إِدْرِيسَ الْعَلَوِيَّ قَدْ كَثُرَ جَمْعُهُ بِأَقَاصِي الْمَغْرِبِ، فَأَرَادَ قَصْدَهُ، فَنَهَاهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: اتْرُكْهُ مَا تَرَكَكَ، فَأَعْمِلِ الْحِيلَةَ، وَكَاتِبِ الْقَيِّمَ بِأَمْرِهِ مِنَ الْمَغَارِبَةِ، وَاسْمُهُ بَهْلُولُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَأَهْدِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى فَارَقَ إِدْرِيسَ وَأَطَاعَ إِبْرَاهِيمَ، وَتَفَرَّقَ جَمْعُ إِدْرِيسَ، فَكَتَبَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ يَسْتَعْطِفُهُ، وَيَسْأَلُهُ الْكَفَّ عَنْ نَاحِيَتِهِ، وَيَذْكُرُ لَهُ قَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَفَّ عَنْهُ.
ثُمَّ إِنَّ عِمْرَانَ بْنَ مَخْلَدٍ، الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ مِنْ بِطَانَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَغْلَبِ، وَيَنْزِلُ مَعَهُ فِي قَصْرِهِ، رَكِبَ يَوْمًا مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، فَلَمْ يَفْهَمْ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ بِمُهِمٍّ كَانَ لَهُ، فَاسْتَعَادَ الْحَدِيثَ مِنْ عِمْرَانَ فَغَضِبَ وَفَارَقَ إِبْرَاهِيمَ، وَجَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا، وَثَارَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ بَيْنَ الْقَيْرَوَانِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ، وَصَارَتِ الْقَيْرَوَانُ وَأَكْثَرُ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ مَعَهُ.
فَخَنْدَقَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى الْعَبَّاسِيَّةِ، وَامْتَنَعَ فِيهَا، وَدَامَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا سَنَةً كَامِلَةً، فَسَمِعَ الرَّشِيدُ الْخَبَرَ، فَأَنْفَذَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ خِزَانَةَ مَالٍ، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ كَانَ مِنْ جُنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَحْضُرْ لِأَخْذِ الْعَطَاءِ. فَفَارَقَ عِمْرَانَ أَصْحَابُهُ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيمَ فَانْهَزَمُوا، فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ بِالْأَمَانِ وَالْحُضُورِ لِقَبْضِ الْعَطَاءِ، فَحَضَرُوا فَأَعْطَاهُمْ وَقَلَعَ أَبْوَابَ الْقَيْرَوَانِ وَهَدَمَ فِي سُورِهَا.
وَأَمَّا عِمْرَانُ، فَسَارَ حَتَّى لَحِقَ بِالزَّابِ، فَأَقَامَ بِهِ حَتَّى مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَوَلَّى بَعْدَهُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ فَأَمَّنَ عِمْرَانَ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ، وَأَسْكَنَهُ مَعَهُ، فَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ هَذَا ثَأْرٌ بِأَبِيكَ، وَلَا نَأْمَنُهُ عَلَيْكَ، فَقَتَلَهُ.
وَلَمَّا انْهَزَمَ عِمْرَانُ سَكَنَ الشَّرُّ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَأَمِنَ النَّاسُ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَعُمُرُهُ سِتٌّ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَإِمَارَتُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute