يَحْضُرْ) عِنْدَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ تَغَيُّرِ أَمْرِهِمْ.
وَقِيلَ: كَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّشِيدَ دَفَعَ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، فَحَبَسَهُ، ثُمَّ دَعَا بِهِ لَيْلَةً، وَسَأَلَهُ عَنْ بَعْضِ أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي، وَلَا تَتَعَرَّضْ أَنْ يَكُونَ غَدًا خَصْمَكَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاللَّهِ مَا أَحْدَثْتُ حَدَثًا، وَلَا آوَيْتُ مُحْدِثًا.
فَرَقَّ لَهُ وَقَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنْ بِلَادِ اللَّهِ. قَالَ: فَكَيْفَ أَذْهَبُ وَلَا آمَنُ أَنْ أُوخَذَ؟ فَوَجَّهَ مَعَهُ مَنْ أَدَّاهُ إِلَى مَأْمَنِهِ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ مِنْ عَيْنٍ كَانَتْ لَهُ مِنْ خَوَاصِّ جَعْفَرٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى الرَّشِيدِ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ هَذَا؟ فَعَلَهُ عَنْ أَمْرِي. ثُمَّ أَحْضَرَ جَعْفَرًا لِلطَّعَامِ، فَجَعَلَ يُلْقِمُهُ وَيُحَادِثُهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ يَحْيَى، فَقَالَ: هُوَ بِحَالِهِ فِي الْحَبْسِ. فَقَالَ: بِحَيَاتِي؟ فَفَطِنَ جَعْفَرٌ، فَقَالَ: لَا وَحَيَاتِكَ! وَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا مَكْرُوهَ عِنْدَهُ. فَقَالَ: نِعْمَ مَا فَعَلْتَ! مَا عَدَوْتَ مَا فِي نَفْسِي. فَلَمَّا قَامَ عَنْهُ قَالَ: قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ! فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ.
وَقِيلَ: كَانَ مِنَ الْأَسْبَابِ أَنَّ جَعْفَرًا ابْتَنَى دَارًا غَرِمَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى الرَّشِيدِ، وَقِيلَ: هَذِهِ غَرَامَتُهُ عَلَى دَارِهِ، فَمَا ظَنُّكَ بِنَفَقَاتِهِ وَصِلَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَاسْتَعْظَمَهُ.
وَكَانَ مِنَ الْأَسْبَابِ أَيْضًا مَا لَا تَعُدُّهُ الْعَامَّةُ سَبَبًا، وَهُوَ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، مَا سُمِعَ مِنْ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ وَهُوَ يَقُولُ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فِي حَجَّتِهِ هَذِهِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رِضَاكَ أَنْ تَسْلُبَنِي نِعَمَكَ عِنْدِي فَاسْلُبْنِي! اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رِضَاكَ أَنْ تَسْلُبَنِي مَالِي وَأَهْلِي وَوَلَدِي فَاسْلُبْنِي، إِلَّا الْفَضْلَ. ثُمَّ وَلَّى، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ رَجَعَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ سَمِجٌ بِمِثْلِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَلَيْكَ، اللَّهُمَّ وَالْفَضْلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute