وَسُمِعَ أَيْضًا يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ: اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبِي جَمَّةٌ عَظِيمَةٌ لَا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تُعَاقِبُنِي فَاجْعَلْ عُقُوبَتِي بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ أَحَاطَ (ذَلِكَ بِسَمْعِي) وَبَصَرِي وَوَلَدِي وَمَالِي، حَتَّى يَبْلُغَ رِضَاكَ، وَلَا تَجْعَلْ عُقُوبَتِي فِي الْآخِرَةِ. فَاسْتُجِيبَ لَهُ.
فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنَ الْحَجِّ وَنَزَلُوا الْأَنْبَارَ، وَنَزَلَ الرَّشِيدُ الْعُمْرَ نَكَبَهُمْ.
وَكَانَ أَوَّلَ مَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ حَالِهِمْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ سَعَى بِمُوسَى بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، وَاتَّهَمَهُ فِي أَمْرِ خُرَاسَانَ، وَأَعْلَمَ الرَّشِيدَ أَنَّهُ يُكَاتِبُهُمْ لِيَسِيرَ إِلَيْهِمْ، وَيُخْرِجَهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ، فَحَبَسَهُ ثُمَّ أَطْلَقَهُ.
وَكَانَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ يَدْخُلُ عَلَى الرَّشِيدِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَعِنْدَهُ جِبْرَائِيلُ بْنُ بَخْتِيَشُوعَ الطَّبِيبُ، فَسَلَّمَ، فَرَدَّ الرَّشِيدُ رَدًّا ضَعِيفًا، ثُمَّ أَقْبَلَ الرَّشِيدُ عَلَى جِبْرَائِيلَ، فَقَالَ: أَيَدْخُلُ عَلَيْكَ مَنْزِلَكَ أَحَدٌ بِغَيْرِ إِذْنٍ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَمَا بَالُنَا يُدْخَلُ عَلَيْنَا بِغَيْرِ إِذْنٍ؟ فَقَالَ يَحْيَى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا ابْتَدَأْتُ ذَلِكَ السَّاعَةَ، وَلَكِنَّ أَمِيرَ (الْمُؤْمِنِينَ خَصَّنِي بِهِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لَأَدْخُلُ وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ مُجَرَّدًا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَرِهَ مَا كَانَ يُحِبُّ، فَإِذَا قَدْ عَلِمْتُ فَإِنِّي سَأَكُونُ [عِنْدَهُ] فِي الطَّبَقَةِ الَّتِي تَجْعَلُنِي فِيهَا. فَاسْتَحْيَا هَارُونُ وَقَالَ: مَا أَرَدْتُ مَا تَكْرَهُ.
وَكَانَ يَحْيَى إِذَا دَخَلَ عَلَى الرَّشِيدِ قَامَ لَهُ الْغِلْمَانُ، فَقَالَ الرَّشِيدُ لِمَسْرُورٍ: مُرِ الْغِلْمَانَ لَا يَقُومُونَ لِيَحْيَى إِذَا دَخَلَ الدَّارَ. فَدَخَلَهَا فَلَمْ يَقُومُوا، فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute