للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا رَأَوْهُ أَعْرَضُوا عَنْهُ.

بفَلَمَّا رَجَعَ الرَّشِيدُ مِنَ الْحَجِّ نَزَلَ الْعُمْرَ الَّذِي عِنْدَ الْأَنْبَارِ، سَلْخَ الْمُحَرَّمِ، وَأَرْسَلَ مَسْرُورًا الْخَادِمَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجُنْدِ إِلَى جَعْفَرٍ لَيْلًا، وَعِنْدَهُ ابْنُ بَخْتِيَشُوعَ الْمُتَطَبِّبُ، وَأَبُو زَكَّارٍ الْمُغَنِّي، وَهُوَ فِي لَهْوِهِ وَأَبُو زَكَّارٍ يُغَنِّي:

فَلَا تَبْعَدْ، فَكُلُّ فَتًى سَيَأْتِي ... عَلَيْهِ الْمَوْتُ يَطْرُقُ أَوْ يُغَادِي

وَكُلُّ ذَخِيرَةٍ لَا بُدَّ يَوْمًا ... وَإِنْ كَرُمَتْ تَصِيرُ إِلَى نَفَادِ

قَالَ مَسْرُورٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، الَّذِي جِئْتُ لَهُ هُوَ وَاللَّهِ ذَاكَ، قَدْ طَرَقَكَ، أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَوَقَعَ عَلَى رِجْلِيَّ يُقَبِّلُهَا، وَقَالَ: حَتَّى أَدْخُلَ فَأُوصِيَ، فَقُلْتُ: أَمَّا الدُّخُولُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ. فَأَوْصَى بِمَا أَرَادَ، وَأَعْتَقَ مَمَالِيكَهُ.

وَأَتَتْنِي رُسُلُ الرَّشِيدِ تَسْتَحِثُّنِي، فَمَضَيْتُ بِهِ إِلَيْهِ، فَأَعْلَمْتُهُ وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِرَأْسِهِ. فَأَتَيْتُ جَعْفَرًا فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ! وَاللَّهِ مَا أَمَرَكَ [بِمَا أَمَرَكَ بِهِ] إِلَّا وَهُوَ سَكْرَانُ، فَدَافِعْ حَتَّى أُصْبِحَ، أَوْ رَاجِعْهُ فِيَّ ثَانِيَةً. فَعُدْتُ لِأُرَاجِعَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ حِسِّي قَالَ: يَا مَاصَّ بَظْرِ أُمِّهِ، ائْتِنِي بِرَأْسِهِ! فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ (فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: آمِرْهُ. فَرَجَعْتُ) ،

<<  <  ج: ص:  >  >>