بِسُخْطِهِ، وَجُدِّدَ لَهُ وَلَهُمُ التُّهْمَةُ عِنْدَ الرَّشِيدِ، فَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ.
وَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى قِيلَ لِأَبِيهِ: قَتَلَ الرَّشِيدُ ابْنَكَ! قَالَ: كَذَلِكَ يُقْتَلُ ابْنُهُ. قِيلَ: وَقَدْ أَخْرَبَ دِيَارَكَ. قَالَ: كَذَلِكَ تُخَرَّبُ دِيَارُهُ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّشِيدَ قَالَ: قَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ ; لِأَنَّهُ مَا قَالَ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ تَأْوِيلَهُ.
قَالَ سَلَامُ الْأَبْرَشُ: دَخَلْتُ عَلَى يَحْيَى وَقْتَ قَبْضِهِ، وَقَدْ هُتِكَتِ السُّتُورُ، وَجُمِعَ الْمَتَاعُ، فَقَالَ: هَكَذَا تَقُومُ الْقِيَامَةُ. قَالَ: فَحَدَّثْتُ الرَّشِيدَ فَأَطْرَقَ مُفَكِّرًا.
وَكَانَ قَتْلُ جَعْفَرٍ لَيْلَةَ السَّبْتِ مُسْتَهَلَّ صَفَرٍ، وَكَانَ عُمْرُهُ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَتِ الْوِزَارَةُ إِلَيْهِمْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمَّا نُكِبُوا قَالَ الرَّقَاشِيُّ - وَقِيلَ: أَبُو نُوَاسٍ -:
الْآنَ اسْتَرَحْنَا وَاسْتَرَاحَتْ رِكَابُنَا ... وَأَمْسَكَ مَنْ يَحْدُو وَمَنْ كَانَ يَحْتَدِي
فَقُلْ لِلْمَطَايَا: قَدْ أَمِنْتِ مِنَ السُّرَى ... وَطَيِّ الْفَيَافِي فَدْفَدًا بَعْدَ فَدْفَدِ
وَقُلْ لِلْمَنَايَا: قَدْ ظَفِرْتِ بِجَعْفَرٍ ... وَلَنْ تَظْفَرِي مِنْ بَعْدِهِ بِمُسَوَّدِ
وَقُلْ لِلْعَطَايَا بَعْدَ فَضْلٍ: تَعَطَّلِي ... وَقُلْ لِلرَّزَايَا كُلَّ يَوْمٍ: تَجَدَّدِي
وَدُونَكَ سَيْفًا بَرْمَكِيًّا مُهَنَّدًا ... أُصِيبَ بِسَيْفٍ هَاشِمِيٍّ مُهَنَّدِ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ لَمَّا نُكِبَ: الدُّنْيَا دُوَلٌ، وَالْمَالُ عَارِيَةٌ، وَلَنَا بِمَنْ قَبْلَنَا أُسْوَةٌ، وَفِينَا لِمَنْ بَعْدَنَا عِبْرَةٌ.
وَوَقَّعَ يَحْيَى عَلَى قَصَّةِ مَحْبُوسٍ: الْعُدْوَانُ أَوْبَقَهُ، وَالتَّوْبَةُ تُطْلِقُهُ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى: الْحَظُّ سِمْطُ الْحِكْمَةِ، بِهِ تُفَصَّلُ شُذُورُهَا وَيُنَظَمُ مَنْثُورُهَا.