وَقِيلَ: كَانَ فِعْلُ نِقْفُورَ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ سَبَبًا لِسَيْرِ الرَّشِيدِ وَفَتْحِ هِرَقْلَةَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، سَنَةَ تِسْعِينَ وَمِائَةٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
ذِكْرُ قَتْلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نَهِيكٍ
وَفِيهَا قَتَلَ الرَّشِيدُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُثْمَانَ بْنَ نَهِيكٍ، وَسَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ جَعْفَرَ بْنَ يَحْيَى وَالْبَرَامِكَةَ، وَيَبْكِي عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنَ الْبُكَاءِ إِلَى حَدِّ طَالِبِي الثَّأْرِ، فَكَانَ إِذَا شَرِبَ النَّبِيذَ مَعَ جَوَارِيهِ أَخَذَ سَيْفَهُ، وَيَقُولُ: وَاجَعْفَرَاهُ! وَاسَيِّدَاهُ! وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ قَاتِلَكَ وَلَأَثْأَرَنَّ بِدَمِكَ.
فَلَمَّا كَثُرَ هَذَا مِنْهُ جَاءَ ابْنُهُ فَأَعْلَمَ الرَّشِيدَ هُوَ وَخَصِيٌّ كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ، فَأَحْضَرَ إِبْرَاهِيمَ وَسَقَاهُ نَبِيذًا، فَلَمَّا أُخِذَ مِنْهُ النَّبِيذُ قَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ نَدِمْتُ عَلَى قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، وَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ مُلْكِي، وَأَنَّهُ كَانَ بَقِيَ لِي، فَمَا وَجَدْتُ طَعْمَ النَّوْمِ مُذْ فَارَقْتُهُ.
فَلَمَّا سَمِعَهَا إِبْرَاهِيمُ أَسْبَلَ دُمُوعَهُ وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْفَضْلِ! وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي لَقَدْ أَخْطَأْتَ فِي قَتْلِهِ، وَأُوطِئْتَ الْعُشْوَةَ فِي أَمْرِهِ، وَأَيْنَ يُوجَدُ فِي الدُّنْيَا مِثْلُهُ؟
فَقَالَ الرَّشِيدُ: قُمْ! عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ يَابْنَ اللَّخْنَاءِ. فَقَامَ وَمَا يَعْقِلُ [مَا يَطَأُ] ، فَمَا كَانَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ إِلَّا لَيَالٍ قَلَائِلُ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ مَدِينَةَ تُطِيلَةَ بِالْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ الْفِرِنْجُ مَدِينَةَ تُطِيلَةَ بِالْأَنْدَلُسِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَكَمَ صَاحِبَ الْأَنْدَلُسِ اسْتَعْمَلَ (عَلَى ثُغُورِ الْأَنْدَلُسِ قَائِدًا كَبِيرًا مِنْ أَجْنَادِهِ، اسْمُهُ عَمْرُوسُ بْنُ يُوسُفَ، فَاسْتَعْمَلَ ابْنَهُ يُوسُفَ) عَلَى تُطِيلَةَ، وَكَانَ قَدِ انْهَزَمَ مِنَ الْحَكَمِ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْدَلُسِ أُولُو قُوَّةٍ وَبَأْسٍ، لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ، فَالْتَحَقُوا بِالْمُشْرِكِينَ، فَقَوِيَ أَمْرُهُمْ، وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ، وَتَقَدَّمُوا إِلَى مَدِينَةِ تُطِيلَةَ فَحَصَرُوهَا، وَمَلَكُوهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَسَرُوا أَمِيرَهَا يُوسُفَ بْنَ عَمْرُوسٍ، وَسَجَنُوهُ بِصَخْرَةِ قَيْسٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute