قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُنْشِدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ الْخُلَفَاءِ نَكَثَ عَلَى عَهْدِهِ، وَنَقَضَ مِيثَاقَهُ، وَرَدَّ رَأْيَ الْخَلِيفَةِ قَبْلَهُ، (فَقَالَ) [الْأَمِينُ] : اسْكُتْ! فَعَبْدُ الْمَلِكِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْكَ رَأْيًا، وَأَكْمَلَ نَظَرًا، يَقُولُ: لَا يَجْتَمِعُ فَحْلَانِ فِي أَجَمَةٍ.
ثُمَّ جَمَعَ الْقُوَّادَ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ خَلْعَ الْمَأْمُونِ، فَأَبَوْا ذَلِكَ، وَرُبَّمَا سَاعَدَهُ قَوْمٌ حَتَّى بَلَغَ إِلَى خُزَيْمَةَ بْنِ خَازِمٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَمْ يَنْصَحْكَ مَنْ كَذَبَكَ، وَلَمْ يَغُشَّكَ مَنْ صَدَقَكَ، لَا تُجَرِّئِ الْقُوَّادَ عَلَى الْخَلْعِ فَيَخْلَعُوكَ، وَلَا تَحْمِلْهُمْ عَلَى نَكْثِ الْعَهْدِ فَيَنْكُثُوا عَهْدَكَ وَبَيْعَتَكَ، فَإِنَّ الْغَادِرَ مَخْذُولٌ، وَالنَّاكِثَ مَغْلُولٌ.
فَأَقْبَلَ الْأَمِينُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: لَكِنَّ شَيْخَ الدَّعْوَةِ، وَنَائِبَ هَذِهِ الدَّوْلَةِ، لَا يُخَالِفُ عَلَى إِمَامِهِ، وَلَا يُوهِنُ طَاعَتَهُ.
ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَيْهِ قَبْلَهَا، لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ وَالْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ يُعِينَانِهِ عَلَى الْخَلْعِ.
وَلَجَّ الْأَمِينُ فِي خَلْعِ الْمَأْمُونِ، حَتَّى إِنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِلْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ: يَا فَضْلُ! أَحَيَاةٌ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ؟ لَا بُدَّ مِنْ خَلْعِهِ. وَالْفَضْلُ يَعِدُهُ وَهُوَ يَقُولُ: فَمَتَى ذَلِكَ؟ إِذَا غَلَبَ عَلَى خُرَاسَانَ وَمَا فِيهَا؟ !
فَأَوَّلُ مَا فَعَلَهُ أَنْ كَتَبَ إِلَى جَمِيعِ الْعُمَّالِ بِالدُّعَاءِ لِابْنِهِ مُوسَى بِالْإِمْرَةِ، بَعْدَ الدُّعَاءِ لِلْمَأْمُونِ وَلِلْمُؤْتَمَنِ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَأْمُونَ، مَعَ عَزْلِ الْمُؤْتَمَنِ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ، أَسْقَطَ اسْمَ الْأَمِينِ مِنَ الطُّرُزِ، وَقَطَعَ الْبَرِيدَ عَنْهُ.
وَكَانَ رَافِعُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، لَمَّا بَلَغَهُ حُسْنُ سِيرَةِ الْمَأْمُونِ طَلَبَ الْأَمَانَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَحَضَرَ عِنْدَ الْمَأْمُونِ، وَأَقَامَ هَرْثَمَةَ بِسَمَرْقَنْدَ وَمَعَهُ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ قَدِمَ هَرْثَمَةُ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَأَكْرَمَهُ وَوَلَّاهُ الْحَرَسَ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْأَمِينُ، فَكَانَ مِمَّا وَتَرَ عَلَيْهِ أَنْ كَتَبَ إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute