مَالِكٍ، وَهُوَ عَامِلُ الْمَأْمُونِ عَلَى الرَّيِّ، يَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفِذَ بِغَرَائِبِ غُرُوسِ الرَّيِّ، يُرِيدُ امْتِحَانَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَا أَمَرَهُ، وَكَتَمَ ذَلِكَ عَنِ الْمَأْمُونِ وَذِي الرِّيَاسَتَيْنِ، فَبَلَغَ الْمَأْمُونَ، (فَعَزَلَهُ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَأْمُونِيِّ.
ثُمَّ وَجَّهَ الْأَمِينُ إِلَى الْمَأْمُونِ أَرْبَعَةَ) أَنْفُسٍ، وَهُمُ: الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعِيسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمَنْصُورِ، وَصَالِحٌ صَاحِبُ الْمُصَلَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ نَهِيكٍ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَهُ مُوسَى عَلَى نَفْسِهِ (وَيَحْضُرَ عِنْدَهُ، فَقَدِ اسْتَوْحَشَ لِبُعْدِهِ) ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ الْمَأْمُونَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ بِالرَّيِّ وَنَيْسَابُورَ وَغَيْرِهِمَا، يَأْمُرُهُمْ بِإِظْهَارِ الْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَقَدِمَ الرُّسُلُ عَلَى الْمَأْمُونِ، وَأَبْلَغُوهُ الرِّسَالَةَ، وَكَانَ ابْنُ مَاهَانَ أَشَارَ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَ الْأَمِينَ أَنَّ أَهْلَ خُرَاسَانَ مَعَهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَأْمُونُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ اسْتَشَارَ الْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُ: أَحْضِرْ هِشَامًا وَالِدَ عَلِيٍّ وَأَحْمَدَ ابْنَيْ هِشَامٍ، وَاسْتَشِرْهُ. فَأَحْضَرَهُ، وَاسْتَشَارَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا أَخَذْتَ الْبَيْعَةَ عَلَيْنَا عَلَى أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ خُرَاسَانَ، فَمَتَى فَعَلَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ فَلَا بَيْعَةَ لَهُ فِي أَعْنَاقِنَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَمَتَى هَمَمْتَ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ تَعَلَّقْتُ بِكَ بِيَمِينِي، فَإِذَا قُطِعَتْ تَعَلَّقْتُ بِيَسَارِي، فَإِنْ قُطِعَتْ تَعَلَّقْتُ بِلِسَانِي، فَإِذَا ضُرِبَتْ عُنُقِي كُنْتُ أَدَّيْتُ مَا عَلَيَّ.
فَقَوِيَ عَزْمُ الْمَأْمُونِ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَأَحْضَرَ الْعَبَّاسَ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَا يَحْضُرُ، (وَأَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ مُوسَى عَلَى نَفْسِهِ) ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسَى: مَا عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا جَدِّي عِيسَى بْنُ مُوسَى قَدْ خُلِعَ فَمَا ضَرَّهُ. فَصَاحَ بِهِ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ: اسْكُتْ! إِنَّ جَدَّكَ كَانَ أَسِيرًا فِي أَيْدِيهِمْ، وَهَذَا بَيْنَ أَخْوَالِهِ وَشِيعَتِهِ.
ثُمَّ قَامُوا، فَخَلَا ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ بِالْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى وَاسْتَمَالَهُ، وَوَعَدَهُ إِمْرَةَ الْمَوْسِمِ، وَمَوَاضِعَ مِنْ مِصْرَ، فَأَجَابَ إِلَى بَيْعَةِ الْمَأْمُونِ، وَسُمِّيَ الْمَأْمُونُ ذَلِكَ الْوَقْتَ بِالْإِمَامِ، فَكَانَ الْعَبَّاسُ يَكْتُبُ إِلَيْهِمْ بِالْأَخْبَارِ مِنْ بَغْدَادَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute