للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَى الْأَمِينِ، فَأَخْبَرُوهُ بِامْتِنَاعِ الْمَأْمُونِ، وَأَلَحَّ الْفَضْلُ وَعَلِيُّ بْنُ عِيسَى عَلَى الْأَمِينِ فِي خَلْعِ الْمَأْمُونِ وَالْبَيْعَةِ لِابْنِهِ مُوسَى بْنِ الْأَمِينِ. وَكَانَ الْأَمِينُ قَدْ كَتَبَ إِلَى الْمَأْمُونِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ بَعْضِ كُوَرِ خُرَاسَانَ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُ صَاحِبُ الْبَرِيدِ يُكَاتِبُهُ بِالْأَخْبَارِ، فَاسْتَشَارَ الْمَأْمُونُ خَوَاصَّهُ وَقُوَّادَهُ، فَأَشَارُوا بِاحْتِمَالِ هَذَا الشَّرِّ وَالْإِجَابَةِ إِلَيْهِ، خَوْفًا مِنْ شَرٍّ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ.

فَقَالَ لَهُمُ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَمِينَ طَلَبَ مَا لَيْسَ لَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ! وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ لِضَرَرِ مَنْعِهِ. قَالَ: فَهَلْ تَثِقُونَ بِكَفِّهِ بَعْدَ إِجَابَتِهِ، فَلَا يَطْلُبُ غَيْرَهَا؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: فَإِنْ طَلَبَ غَيْرَهَا، فَمَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَمْنَعُهُ، فَهَذَا خِلَافُ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الْحُكَمَاءِ. قَالَ: اسْتَصْلِحْ عَاقِبَةَ أَمْرِكَ بِاحْتِمَالِ مَا عَرَضَ مِنْ مَكْرُوهِهِ فِي يَوْمِكَ، وَلَا تَلْتَمِسْ هُدْنَةَ يَوْمِكَ بِإِخْطَارٍ أَدْخَلْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ فِي غَدِكَ.

فَقَالَ الْمَأْمُونُ لِذِي الرِّيَاسَتَيْنِ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَسْعَدَكَ اللَّهُ، هَلْ تُؤْمِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمِينُ طَالَبَكَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ لِيَسْتَظْهِرَ بِهَا عَلَيْكَ؟ بَلْ إِنَّمَا أَشَارَ الْحُكَمَاءُ بِحَمْلِ ثِقْلٍ تَرْجُونَ بِهِ صَلَاحَ الْعَاقِبَةِ.

فَقَالَ الْمَأْمُونُ: بِإِيثَارِ دَعَةِ الْعَاجِلِ صَارَ إِلَى فَسَادِ الْعَاقِبَةِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ. فَامْتَنَعَ الْمَأْمُونُ مِنْ إِجَابَتِهِ إِلَى مَا طَلَبَ.

وَأَنْفَذَ الْمَأْمُونُ ثِقَتَهُ إِلَى الْحَدِّ، فَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنَ الْعُبُورِ إِلَى بِلَادِهِ إِلَّا مَعَ ثِقَةٍ مِنْ نَاحِيَتِهِ، فَحَظَّرَ أَهْلَ خُرَاسَانَ أَنْ يُسْتَمَالُوا بِرَغْبَةٍ أَوْ رَهْبَةٍ، وَضَبَطَ الطُّرُقَ بِثِقَاتِ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يُمَكِّنُوا مِنْ دُخُولِ خُرَاسَانَ إِلَّا مَنْ عَرَفُوهُ، وَأَتَى بِجَوَازٍ، أَوْ [كَانَ] تَاجِرًا مَعْرُوفًا، وَفُتِّشَتِ الْكُتُبُ.

وَقِيلَ: لَمَّا أَرَادَ الْأَمِينُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْمَأْمُونِ يَطْلُبُ بَعْضَ كُوَرِ خُرَاسَانَ قَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا مِمَّا يُقَوِّي التُّهْمَةَ، وَيُنَبِّهُ عَلَى الْحَذَرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>