للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَيْهِ فَأَعْلِمْهُ حَاجَتَكَ، وَمَا تُحِبُّ مِنْ قُرْبِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى مَا وَلَّاكَ اللَّهُ، وَتَسْأَلُهُ الْقُدُومَ عَلَيْكَ، لِتَرْجِعَ إِلَى رَأْيِهِ فِيمَا تَفْعَلُ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَسَيَّرَ الْكِتَابَ مَعَ نَفَرٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَبْلُغُوا الْجَهْدَ فِي إِحْضَارِهِ، وَسَيَّرَ مَعَهُمُ الْهَدَايَا الْكَثِيرَةَ، فَلَمَّا حَضَرَ الرُّسُلُ عِنْدَهُ، وَقَرَأَ الْكِتَابَ وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِإِجَابَةِ الْأَمِينِ، وَأَعْلَمُوهُ مَا فِي إِجَابَتِهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَأَحْضَرَ ذَا الرِّيَاسَتَيْنِ، وَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ وَاسْتَشَارَهُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمُلَازَمَةِ خُرَاسَانَ، وَخَوَّفَهُ مِنَ الْقُرْبِ مِنَ الْأَمِينِ، فَقَالَ: لَا يُمْكِنُنِي مُخَالَفَتُهُ، وَأَكْثَرُ الْقُوَّادِ وَالْأَمْوَالِ مَعَهُ، وَالنَّاسُ مَائِلُونَ إِلَى الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، لَا يَرْغَبُونَ فِي حِفْظِ عَهْدٍ وَلَا أَمَانَةٍ، وَلَسْتُ فِي قُوَّةٍ حَتَّى أَمْتَنِعَ، وَقَدْ فَارَقَ جَيْغَوَيْهِ الطَّاعَةَ، وَالْتَوَى خَاقَانُ مَلِكُ التُّبَّتِ، وَمَلِكُ الْكَابُلِ قَدِ اسْتَعَدَّ لِلْغَارَةِ عَلَى مَا يَلِيهِ، وَمَلِكُ أَتْرَادِبَنْدَهْ قَدْ مَنَعَ الضَّرِيبَةَ، وَمَالِي بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بُدٌّ، وَلَا أَرَى إِلَّا تَخْلِيَةَ مَا أَنَا فِيهِ، وَاللِّحَاقَ بِخَاقَانَ مَلِكِ التُّرْكِ، وَالِاسْتِجَارَةَ بِهِ؛ لَعَلِّي آمَنُ عَلَى نَفْسِي.

فَقَالَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ: إِنَّ عَاقِبَةَ الْغَدْرِ شَدِيدَةٌ، وَتَبِعَةَ الْبَغْيِ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ، وَرُبَّ مَقْهُورٍ قَدْ عَادَ قَاهِرًا، وَلَيْسَ النَّصْرُ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ، وَالْمَوْتُ أَيْسَرُ مِنَ الذُّلِّ وَالضَّيْمِ، وَمَا أَرَى أَنْ تَصِيرَ إِلَى أَخِيكَ مُتَجَرِّدًا مِنْ قُوَّادِكَ وَجُنْدِكَ، كَالرَّأْسِ الَّذِي فَارَقَ بَدَنَهُ، فَتَكُونَ عِنْدَهُ كَبَعْضِ رَعِيَّتِهِ، يَجْرِي عَلَيْكَ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُبْلِيَ عُذْرًا فِي قِتَالٍ، وَاكْتُبْ إِلَى جَيْغَوَيْهِ وَخَاقَانَ، فَوَلِّهِمَا بِلَادَهُمَا، وَابْعَثْ إِلَى مَلِكِ كَابُلَ بِبَعْضِ هَدَايَا خُرَاسَانَ، وَوَادِعْهُ، وَاتْرُكْ لِمَلِكِ أَتْرَادِبَنْدَهْ ضَرِيبَتَهُ، ثُمَّ اجْمَعْ أَطْرَافَكَ، وَضُمَّ جُنْدَكَ، وَاضْرِبِ الْخَيْلَ بِالْخَيْلِ، وَالرِّجَالَ بِالرِّجَالِ، فَإِنْ ظَفِرْتَ وَإِلَّا لَحِقْتَ بِخَاقَانَ.

فَعَرَفَ الْمَأْمُونُ صِدْقَهُ، فَفَعَلَ مَا أَشَارَ بِهِ، فَرَضَى أُولَئِكَ الْمُلُوكَ الْعُصَاةَ، وَضَمَّ جُنْدَهُ، وَجَمَعَهُمْ عِنْدَهُ، وَكَتَبَ إِلَى الْأَمِينِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ وَصَلَ [إِلَيَّ] كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا أَنَا عَامِلٌ مِنْ عُمَّالِهِ، وَعَوْنٌ مِنْ أَعْوَانِهِ، أَمَرَنِي الرَّشِيدُ بِلُزُومِ [هَذَا] الثَّغْرِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ مُقَامِي بِهِ أَرَدُّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَعْظَمُ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشُّخُوصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>