وَكَتَبَ إِلَى أَبِي دُلَفَ الْقَاسِمِ بْنِ (إِدْرِيسَ بْنِ عِيسَى) الْعِجْلِيِّ، وَهِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ بِالِانْضِمَامِ إِلَيْهِ، وَأَمَدَّهُ بِالْأَمْوَالِ وَالرِّجَالِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ مِنْ بَغْدَاذَ رَكِبَ إِلَى بَابِ زُبَيْدَةَ أُمِّ الْأَمِينِ لِيُوَدِّعَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَلِيُّ! إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [وَ] إِنْ كَانَ وَلَدِي وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ شَفَقَتِي، فَإِنِّي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ مُنْعَطِفَةٌ مُشْفِقَةٌ، لِمَا يَحْدُثُ عَلَيْهِ مِنْ مَكْرُوهٍ وَأَذًى، وَإِنَّمَا ابْنِي مَلِكٌ نَافَسَ أَخَاهُ فِي سُلْطَانِهِ [وَغَارَهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ] ، وَالْكَرِيمُ يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَيُمِيقُهُ غَيْرَهُ، فَاعْرِفْ لِعَبْدِ اللَّهِ حَقَّ وِلَادَتِهِ وَأُخُوَّتِهِ، وَلَاتَجْبَهْهُ بِالْكَلَامِ، فَإِنَّكَ لَسْتَ [لَهُ] بِنَظِيرٍ، وَلَا تَقْتَسِرْهُ اقْتِسَارَ الْعَبِيدِ، وَلَا تُوَهِّنْهُ بِقَيْدٍ وَلَا غُلٍّ، وَلَا تَمْنَعْ عَنْهُ جَارِيَةً وَلَا خَادِمًا، وَلَا تَعْنُفْ عَلَيْهِ فِي السَّيْرِ، وَلَا تُسَاوِهِ فِي الْمَسِيرِ، وَلَا تَرْكَبْ قَبْلَهُ، وَخُذْ بِرِكَابِهِ [إِذَا رَكِبَ] ، وَإِنْ شَتَمَكَ فَاحْتَمِلْ مِنْهُ.
ثُمَّ دَفَعَتْ إِلَيْهِ قَيْدًا مِنْ فِضَّةٍ، وَقَالَتْ: إِنْ صَارَ إِلَيْكَ فَقَيِّدْهُ بِهَذَا الْقَيْدِ! فَقَالَ لَهَا: سَأَفْعَلُ (مِثْلَ) مَا أَمَرْتِ.
ثُمَّ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى فِي شَعْبَانَ، وَرَكِبَ الْأَمِينُ يُشَيِّعُهُ، وَمَعَهُ الْقُوَّادُ وَالْجُنُودُ، وَذَكَرَ مَشَايِخُ بَغْدَاذَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا عَسْكَرًا أَكْثَرَ رِجَالًا، وَأَفْرَهَ كُرَاعًا، وَأَتَمَّ عُدَّةً وَسِلَاحًا - مِنْ عَسْكَرِهِ. وَوَصَّاهُ الْأَمِينُ، وَأَمَرَهُ إِنْ قَاتَلَهُ الْمَأْمُونُ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَسْرِهِ.
ثُمَّ سَارَ فَلَقِيَهُ الْقَوَافِلُ عِنْدَ جَلُولَاءَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ طَاهِرًا مُقِيمٌ بِالرَّيِّ يَعْرِضُ أَصْحَابَهُ، وَيَرُمُّ آلَتَهُ، وَالْأَمْدَادُ تَأْتِيهِ مِنْ خُرَاسَانَ، وَهُوَ يَسْتَعِدُّ لِلْقِتَالِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا طَاهِرٌ شَوْكَةٌ مِنْ أَغْصَانِي، وَمَا مِثْلُ طَاهِرٍ يَتَوَلَّى الْجُيُوشَ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَصِفَ انْقِصَافَ الشَّجَرِ مِنَ الرِّيحِ، وَالرِّيحِ الْعَاصِفِ - إِلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ عُبُورُنَا عَقَبَةَ هَمَذَانَ، فَإِنَّ السِّخَالَ لَا تَقْوَى عَلَى النِّطَاحِ، وَالْبِغَالَ لَا صَبْرَ لَهَا عَلَى لِقَاءِ الْأَسَدِ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute