أَقَامَ تَعَرَّضَ لِحَدِّ السَّيْفِ وَأَسِنَّةِ الرِّمَاحِ، وَإِذَا (قَارَبْنَا الرَّيَّ وَدَنَوْنَا مِنْهُمْ) فَتَّ ذَلِكَ فِي أَعْضَادِهِمْ.
ثُمَّ أَنْفَذَ الْكُتُبَ إِلَى مُلُوكِ الدَّيْلَمِ وَطَبَرِسْتَانَ، وَمَا وَالَاهَا مِنَ الْمُلُوكِ، يَعِدُهُمُ الصِّلَاتِ، وَأَهْدَى لَهُمُ التِّيجَانَ وَالْأَسْوِرَةَ وَغَيْرَهَا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا طَرِيقَ خُرَاسَانَ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَسَارَ حَتَّى أَتَى أَوَّلَ أَعْمَالِ الرَّيِّ، وَهُوَ قَلِيلُ الِاحْتِيَالِ، فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَوْ أَرْكَبْتَ الْعُيُونَ، وَعَمِلْتَ خَنْدَقًا لِأَصْحَابِكَ، وَبَعَثْتَ الطَّلَائِعَ لَأَمِنْتَ الْبَيَاتَ، وَفَعَلْتَ الرَّأْيَ، فَقَالَ: مِثْلُ طَاهِرٍ لَا يُسْتَعَدُّ لَهُ، وَإِنَّ حَالَهُ يَئُولُ إِلَى أَمْرَيْنِ: إِمَّا [أَنْ] يَتَحَصَّنَ بِالرَّيِّ فَيُبَيِّتَهُ أَهْلُهَا، فَيَكْفُونَا أَمْرَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ وَيَتْرُكَهَا، إِذَا قَرُبَتْ خَيْلُنَا مِنْهُ، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ كَانَ عَزْمُهُ تَرْكَهَا وَالرُّجُوعَ لَفَعَلَ، فَإِنَّنَا قَدْ قَرُبْنَا مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ.
وَلَمَّا صَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّيِّ عَشَرَةُ فَرَاسِخَ اسْتَشَارَ طَاهِرٌ أَصْحَابَهُ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ بِالرَّيِّ، وَيُدَافِعَ الْقِتَالَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْ خُرَاسَانَ الْمَدَدُ، وَقَائِدٌ يَتَوَلَّى الْأُمُورَ دُونَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ مُقَامَكَ [بِمَدِينَةِ الرَّيِّ] أَرْفَقُ بِأَصْحَابِكَ [وَبِكَ] ، وَأَقْدَرُ لَهُمْ عَلَى الْمِيرَةِ، وَأَكَنُّ مِنَ الْبَرْدِ، وَتَعْتَصِمُ بِالْبُيُوتِ، وَتَقْدِرُ عَلَى الْمُمَاطَلَةِ، فَقَالَ طَاهِرٌ: إِنَّ الرَّأْيَ لَيْسَ مَا رَأَيْتُمْ، إِنَّ أَهْلَ الرَّيِّ لِعَلِيٍّ هَائِبُونَ، وَمِنْ سَطْوَتِهِ مُشْفِقُونَ، وَمَعَهُ مِنْ أَعْرَابِ الْبَوَادِي وَصَعَالِيكِ الْجِبَالِ وَالْقَرَايَا كَثِيرٌ، وَلَسْتُ آمَنُ إِنْ أَقَمْتُ بِالرَّيِّ، أَنْ يَثِبَ أَهْلُهَا بِنَا خَوْفًا مِنْ عَلِيٍّ، وَمَا الرَّأْيُ إِلَّا أَنْ نَسِيرَ إِلَيْهِ، فَإِنْ ظَفِرْنَا، وَإِلَّا عَوَّلْنَا عَلَيْهَا، فَقَاتَلْنَاهُ فِيهَا إِلَى أَنْ يَأْتِيَنَا مَدَدٌ.
فَنَادَى طَاهِرٌ فِي أَصْحَابِهِ فَخَرَجَ مِنَ الرَّيِّ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ، وَعَسْكَرَ عَلَى خَمْسَةِ فَرَاسِخَ، فَأَتَاهُ أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، وَكَانَ عَلَى شُرْطَةِ طَاهِرٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَتَانَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى فَقَالَ: أَنَا عَامِلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَقْرَرْنَا لَهُ بِذَلِكَ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُحَارِبَهُ، فَقَالَ طَاهِرٌ: لَمْ يَأْتِنِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. فَقَالَ: دَعْنِي وَمَا أُرِيدُ، فَقَالَ: افْعَلْ! فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَلَعَ مُحَمَّدًا، وَدَعَا لِلْمَأْمُونِ بِالْخِلَافَةِ، وَسَارُوا عَنْهَا، وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِنَّ جُنْدَكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute