قَدْ هَابُوا هَذَا الْجَيْشَ، فَلَوْ أَخَّرْتَ الْقِتَالَ إِلَى أَنْ يَشَامَّهُمْ أَصْحَابُكَ، وَيَأْنَسُوا بِهِمْ، وَيَعْرِفُوا وَجْهَ الْمَأْخَذِ فِي قِتَالِهِمْ، قَالَ: إِنِّي لَا أُوتَى مِنْ قِلَّةِ تَجْرِبَةٍ وَحَزْمٍ، إِنَّ أَصْحَابِي قَلِيلٌ، وَالْقَوْمُ عَظِيمٌ سَوَادُهُمْ، كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، فَإِنْ أَخَّرْتُ الْقِتَالَ اطَّلَعُوا عَلَى قِلَّتِنَا، وَاسْتَمَالُوا مَنْ مَعِي بِرَهْبَةٍ أَوْ رَغْبَةٍ، فَيَخْذُلُنِي أَهْلُ الصَّبْرِ وَالْحِفَاظِ، وَلَكِنْ أَلُفُّ الرِّجَالَ بِالرِّجَالِ، وَأُقْحِمُ الْخَيْلَ عَلَى الْخَيْلِ، وَأَعْتَمِدُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْوَفَاءِ، وَأَصْبِرُ صَبْرَ مُحْتَسِبٍ لِلْخَيْرِ، حَرِيصٍ عَلَى الْفَوْزِ بِالشَّهَادَةِ، فَإِنْ نَصَرَنَا اللَّهُ فَذَلِكَ الَّذِي نُرِيدُهُ وَنَرْجُوهُ، وَإِنْ يَكُنِ الْأُخْرَى فَلَسْتُ بِأَوَّلِ مَنْ قَاتَلَ (وَقُتِلَ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ أَجْزَلُ وَأَفْضَلُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: بَادِرُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَلِيلُونَ) ، وَلَوْ وَجَدُوا حَرَارَةَ السُّيُوفِ وَطَعْنَ الرِّمَاحِ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهَا.
وَعَبَّى جُنْدَهُ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَقَلْبًا، وَعَبَّى عَشْرَ رَايَاتٍ، مَعَ كُلِّ رَايَةٍ مِائَةُ رَجُلٍ، وَقَدَّمَهَا رَايَةً رَايَةً، وَجَعَلَ بَيْنَ كُلِّ رَايَتَيْنِ غَلْوَةِ سَهْمٍ، وَأَمَرَ أُمَرَاءَهَا إِذَا قَاتَلَتِ الرَّايَةُ الْأُولَى وَطَالَ قِتَالُهُمْ أَنْ تَتَقَدَّمَ الَّتِي تَلِيهَا، وَتَتَأَخَّرَ هِيَ حَتَّى تَسْتَرِيحَ، وَجَعَلَ أَصْحَابَ الْجَوَاشِنِ أَمَامَ الرَّايَاتِ، وَوَقَفَ فِي شُجْعَانِ أَصْحَابِهِ.
وَعَبَّى طَاهِرٌ أَصْحَابَهُ كَرَادِيسَ، وَسَارَ بِهِمْ يُحَرِّضُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيُرَجِّيهِمْ.
وَهَرَبَ مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرٍ نَفَرٌ إِلَى عَلِيٍّ، فَجَلَدَ بَعْضَهُمْ، وَأَهَانَ الْبَاقِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَلَّبَ الْبَاقِينَ عَلَى قِتَالِهِ، وَزَحَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ لِطَاهِرٍ: أَلَا تُذَكِّرُ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى الْبَيْعَةَ الَّتِي أَخَذَهَا هُوَ عَلَيْنَا لِلْمَأْمُونِ خَاصَّةً مَعَاشِرَ أَهْلِ خُرَاسَانَ؟ قَالَ: أَفْعَلُ. فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ فَعَلَّقَهَا عَلَى رُمْحٍ، وَقَامَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَطَلَبَ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، فَقَالَ لَهُ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَلَيْسَ هَذِهِ نُسْخَةَ الْبَيْعَةِ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute