أَخَذْتَهَا أَنْتَ خَاصَّةً؟ اتَّقِ اللَّهَ، فَقَدْ بَلَغْتَ بَابَ قَبْرِكَ! فَقَالَ عَلِيٌّ: مَنْ أَتَانِي بِهِ فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَشَتَمَهُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ، وَخَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ، وَأَخَذَ السَّيْفَ بِيَدَيْهِ وَضَرَبَهُ، فَصَرَعَهُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ طَاهِرٌ ذَا الْيَمِينَيْنِ.
وَوَثَبَ أَهْلُ الرَّيِّ فَأَغْلَقُوا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ طَاهِرٌ لِأَصْحَابِهِ: اشْتَغِلُوا بِمَنْ أَمَامَكُمْ عَمَّنْ خَلْفَكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّيكُمْ إِلَّا الْجِدُّ وَالصِّدْقُ. ثُمَّ اقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَحَمَلَتْ مَيْمَنَةُ عَلِيٍّ عَلَى مَيْسَرَةِ طَاهِرٍ، فَانْهَزَمَتْ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً، وَمَيْسَرَتُهُ عَلَى مَيْمَنَةِ طَاهِرٍ، فَأَزَالَتْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، فَقَالَ طَاهِرٌ: اجْعَلُوا جِدَّكُمْ وَبَأْسَكُمْ عَلَى الْقَلْبِ، وَاحْمِلُوا حَمْلَةً خَارِجِيَّةً، فَإِنَّكُمْ مَتَى فَضَضْتُمْ مِنْهَا رَايَةً وَاحِدَةً رَجَعَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى أَوَاخِرِهَا. فَصَبَرَ أَصْحَابُهُ صَبْرًا صَادِقًا، وَحَمَلُوا عَلَى أَوَّلِ رَايَاتِ الْقَلْبِ، فَهَزَمُوهُمْ، وَأَكْثَرُوا فِيهِمُ الْقَتْلَ، وَرَجَعَتِ الرَّايَاتُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَانْتَفَضَتْ مَيْمَنَةُ عَلِيٍّ.
وَرَأَى مَيْمَنَةُ طَاهِرٍ وَمَيْسَرَتُهُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُهُمْ، فَرَجَعُوا عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِمْ، فَهَزَمُوهُمْ، وَانْتَهَتِ الْهَزِيمَةُ إِلَى عَلِيٍّ، فَجَعَلَ يُنَادِي أَصْحَابَهُ: أَيْنَ أَصْحَابُ الْخَوَاصِّ، وَالْجَوَائِزِ، وَالْأَسْوِرَةِ، وَالْأَكَالِيلِ، إِلَى الْكَرَّةِ بَعْدَ الْفَرَّةِ! فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، قِيلَ كَانَ دَاوُدَ سِيَاهَ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى طَاهِرٍ، وَشُدَّتْ يَدَاهُ إِلَى رِجْلَيْهِ، وَحُمِلَ عَلَى خَشَبَةٍ إِلَى طَاهِرٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُلْقِيَ فِي بِئْرٍ، فَأَعْتَقَ طَاهِرٌ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ غِلْمَانِهِ شُكْرًا لِلَّهِ - تَعَالَى - وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ، وَوَضَعَ أَصْحَابُ طَاهِرٍ فِيهِمُ السُّيُوفَ، وَتَبِعُوهُمْ فَرْسَخَيْنِ وَاقَعُوهُمْ فِيهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَنْهَزِمُ عَسْكَرُ الْأَمِينِ، وَأَصْحَابُ طَاهِرٍ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ حَتَّى حَالَ اللَّيْلُ بَيْنَهُمْ، وَغَنِمُوا غَنِيمَةً عَظِيمَةً.
وَنَادَى طَاهِرٌ: مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ. وَطَرَحُوا أَسْلِحَتَهُمْ وَنَزَلُوا عَنْ دَوَابِّهِمْ، وَرَجَعَ طَاهِرٌ إِلَى الرَّيِّ، وَكَتَبَ إِلَى الْمَأْمُونِ وَذِي الرِّيَاسَتَيْنِ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأْسُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بَيْنَ يَدَيَّ، وَخَاتَمُهُ فِي إِصْبَعِي، وَجُنْدُهُ مُصَرَّفُونَ تَحْتَ أَمْرِي، وَالسَّلَامُ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute