أَرْضِ خُرَاسَانَ، وَأَمَرَهُ بِالْجِدِّ، وَأَمَدَّهُ بِالْأَمْوَالِ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ هَمَذَانَ، وَحَصَّنَهَا وَرَمَّ سُورَهَا.
وَأَتَاهُ طَاهِرٌ إِلَى هَمَذَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى تَعْبِئَةٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ فِيهِمْ، ثُمَّ انْهَزَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَدَخَلَ هَمَذَانَ، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، حَتَّى قَوِيَ أَصْحَابُهُ، وَانْدَمَلَ جِرَاحُهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى طَاهِرٍ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَتَرَاءَى لَكُمْ، فَإِذَا قَرُبْتُمْ مِنْهُ قَاتَلَكُمْ، فَإِنْ هَزَمْتُمُوهُ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ قَاتَلَكُمْ عَلَى خَنْدَقِهَا، وَإِنْ هَزَمَكُمُ اتَّسَعَ لَهُ الْمَجَالُ، وَلَكِنْ قِفُوا قَرِيبًا مِنْ عَسْكَرِنَا وَخَنْدَقِنَا، فَإِنْ قَرُبَ مِنَّا قَاتَلْنَاهُ.
فَوَقَفُوا فَظَنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْهَيْبَةَ مَنَعَتْهُمْ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَجَعَلَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَرِّضُهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالصَّبْرِ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرٍ حَمَلَ عَلَى صَاحِبِ عَلَمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، وَزَحَمَهُمْ أَصْحَابُ طَاهِرٍ، فَانْهَزَمُوا، وَوَضَعَ فِيهِمْ أَصْحَابُ طَاهِرٍ السُّيُوفَ يُقَتِّلُونَهُمْ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَقَامَ طَاهِرٌ عَلَى بَابِهَا مُحَاصِرًا لَهَا، فَاشْتَدَّ بِهِمُ الْحِصَارُ، وَضَجِرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَخَافَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يَثِبَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَ مَا فِيهِ أَصْحَابُهُ مِنَ الْجَهْدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى طَاهِرٍ يَطْلُبُ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ مَعَهُ، فَأَمَّنَهُ، فَخَرَجَ عَنْ هَمَذَانَ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ طَاهِرٍ عَلَى أَعْمَالِ الْجَبَلِ
لَمَّا نَزَلَ طَاهِرٌ بِبَابِ هَمَذَانَ، وَحَصَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِهَا، تَخَوَّفَ أَنْ يَأْتِيَهُ كَثِيرُ بْنُ قَادِرَةَ مِنْ وَرَائِهِ، وَكَانَ بِقَزْوِينَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْقِيَامِ، وَسَارَ فِي أَلْفِ فَارِسٍ نَحْوَ قَزْوِينَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ كَثِيرُ بْنُ قَادِرَةَ، وَكَانَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، هَرَبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَأَخْلَى قَزْوِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute