فَقُلْتُ: أَنَا لِطَاعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَطَاعَتِكَ مُقْدِمٌ، وَلِكُلِّ مَا دَخَلَ فِيهِ الْوَهْنُ عَلَى عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكَ حَرِيصٌ، غَيْرَ أَنَّ الْمُحَارِبَ لَا يَعْمَلُ بِالْغَدْرِ، وَلَا يَفْتَحُ أَمْرَهُ بِالتَّقْصِيرِ وَالْخَلَلِ، وَإِنَّمَا مِلَاكُ الْمُحَارِبِ الْجُنُودُ، وَمِلَاكُ الْجُنُودِ الْمَالُ، وَالَّذِي أَسْأَلُ أَنْ يُؤْمَرَ لِأَصْحَابِي بِرِزْقِ سَنَةٍ، وَتُحْمَلَ مَعَهُمْ أَرْزَاقُ سَنَةٍ، وَيُخَصَّ أَهْلُ الْغَنَاءِ وَالْبِلَاءِ، وَأُبَدِّلَ مَنْ فِيهِمْ مِنَ الضَّعْفَى، وَأَحْمِلَ أَلْفَ رَجُلٍ مِمَّنْ مَعِي عَلَى الْخَيْلِ، وَلَا أُسْأَلَ عَنْ مُحَاسَبَةِ مَا افْتَتَحْتُ مِنَ الْمُدُنِ وَالْكُوَرِ. فَقَالَ: قَدِ اشْتَطَطْتَ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُنَاظَرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ قَبْلِي عَلَى الْأَمِينِ، وَأُذِنَ لِي فَدَخَلْتُ، فَمَا كَانَ إِلَّا كَلِمَتَانِ حَتَّى غَضِبَ وَأَمَرَ بِحَبْسِي.
وَقِيلَ: إِنَّهُ طَلَبَ أَنْ يَدْفَعَ وَلَدَيِ الْمَأْمُونِ، فَإِنْ أَطَاعَهُ وَإِلَّا قَتَلَهُمَا، فَقَالَ الْأَمِينُ: أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ مَجْنُونٌ، أَدْعُوكَ إِلَى وِلَايَةِ أَعِنَّةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَأُطْعِمُكَ خَرَاجَ كُوَرِ الْجِبَالِ إِلَى خُرَاسَانَ، وَأَرْفَعُ مَنْزِلَتَكَ عَلَى نُظَرَائِكَ مِنْ أَبْنَاءِ الْقُوَّادِ وَالْمُلُوكِ، وَتَدْعُونِي إِلَى قَتْلِ وَلَدَيَّ، وَسَفْكِ دِمَاءِ أَهْلِ بَيْتِي! إِنَّ هَذَا لَلْخُرْقُ وَالتَّخْلِيطُ.
وَكَانَ بِبَغْدَاذَ ابْنَانِ لِلْمَأْمُونِ مَعَ أُمِّهِمَا أُمِّ عِيسَى ابْنَةِ الْهَادِي، وَقَدْ طَلَبَهُمَا الْمَأْمُونُ مِنْ أَخِيهِ فِي حَالِ السَّلَامِ، فَمَنَعَهُمَا مِنَ الْمَالِ الَّذِي كَانَ لَهُ، فَلَمَّا حَبَسَ أَسَدًا قَالَ: هَلْ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُفْسِدَهُمْ مَعَ نَبَاهَتِهِمْ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ طَاعَتِهِمْ وَنَصِيحَتِهِمْ.
قَالُوا: نَعَمْ، عَمُّهُ أَحْمَدُ بْنُ مَزَيْدٍ، وَهُوَ أَحْسَنُهُمْ طَرِيقَةً، لَهُ بَأْسٌ وَنَجْدَةٌ، وَبَصَرٌ بِسِيَاسَةِ الْحَرْبِ. فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ أَحْضَرَهُ، فَأَتَى الْفَضْلَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ، وَهُوَ يُرِيدُهُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى طَاهِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ يَشِطُّ.
قَالَ أَحْمَدُ: فَلَمَّا رَآنِي الْفَضْلُ رَحَّبَ بِي، وَرَفَعَنِي إِلَى صَدْرِ الْمَجْلِسِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ يُدَاعِبُهُ، ثُمَّ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute