وَرَأَى الْأَمِينُ أَقْوَامًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ لِبَاسُ الْجُنْدِ، وَأَمَرَهُمْ بِأَخْذِ السِّلَاحِ، فَانْتَهَبَتْهُ الْغَوْغَاءُ، وَنَهَبُوا غَيْرَهُ. وَحُمِلَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ أَسِيرًا، فَلَامَهُ، فَاعْتَذَرَ لَهُ الْحُسَيْنُ، فَأَطْلَقَهُ، وَأَمَرَهُ بِجَمْعِ الْجُنْدِ، وَمُحَارَبَةِ أَصْحَابِ الْمَأْمُونِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَوَلَّاهُ مَا وَرَاءَ بَابِهِ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى حُلْوَانَ، فَوَقَفَ الْحُسَيْنُ بِبَابِ الْجِسْرِ وَالنَّاسُ يُهَنِّئُونَهُ، فَلَمَّا خَفَّ عَنْهُ النَّاسُ قَطَعَ الْجِسْرَ وَهَرَبَ، فَنَادَى الْأَمِينُ فِي الْجُنْدِ يَطْلُبُهُ، فَرَكِبُوا كُلُّهُمْ، فَأَدْرَكُوهُ بِمَسْجِدِ كَوْثَرٍ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ بَغْدَاذَ، فَقَاتَلَهُمْ فَعَثَرَ بِهِ فَرَسُهُ، فَسَقَطَ عَنْهُ، فَقُتِلَ وَأَخَذُوا رَأْسَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْأَمِينَ كَانَ اسْتَوْزَرَهُ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ.
وَجَدَّدَ الْجُنْدُ الْبَيْعَةَ لِلْأَمِينِ بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ بِيَوْمٍ، وَكَانَ قَتْلُهُ خَامِسَ عَشَرَ رَجَبٍ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هَرَبَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ وَاخْتَفَى.
ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ طَاهِرٌ بِالْأَهْوَازَ
لَمَّا نَزَلَ طَاهِرٌ بِشَلَاشَانَ وَجَّهَ الْحُسَيْنَ بْنَ عُمَرَ الرُّسْتَمِيَّ إِلَى الْأَهْوَازِ وَأَمَرَهُ بِالْحَذَرِ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ أَتَتْ طَاهِرًا عُيُونُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ الْمُهَلَّبِيُّ، وَكَانَ عَامِلًا لِلْأَمِينِ عَلَى الْأَهْوَازِ، قَدْ تَوَجَّهَ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ يُرِيدُ جُنْدَيْسَابُورَ لِيَحْمِيَ الْأَهْوَازَ مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرٍ، فَدَعَا طَاهِرٌ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ: مُحَمَّدُ بْنُ طَالُوتَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ بُخَارَاخُذَاهَ وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجِدُّوا السَّيْرَ، حَتَّى يَتَّصِلَ أَوَّلُهُمْ بِآخِرِ أَصْحَابِ الرُّسْتَمِيِّ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى مَدَدٍ أَمَدُّوهُ.
فَسَارُوا حَتَّى شَارَفُوا الْأَهْوَازَ وَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا، وَبَلَغَ خَبَرُهُمْ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَسْكَرَ مُكْرَمٍ، وَصَيَّرَ الْعُمْرَانَ وَالْمَاءَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَتَخَوَّفَ طَاهِرٌ أَنْ يَعْجَلَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَأَمَدَّهُمْ بِقُرَيْشِ بْنِ شِبْلٍ، وَتَوَجَّهَ هُوَ بِنَفْسِهِ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، وَسَيَّرَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ الْمَأْمُونِيَّ إِلَى قُرَيْشٍ وَالرُّسْتَمِيِّ، فَسَارَتْ تِلْكَ الْعَسَاكِرُ حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بِعَسْكَرِ مُكْرَمٍ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي الْمُطَاوَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute