للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالرُّجُوعِ إِلَى الْأَهْوَازِ وَالتَّحَصُّنِ بِهَا، وَأَنْ يَسْتَدْعِيَ الْجُنْدَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَقَوْمَهُ الْأَزْدَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَسَيَّرَ طَاهِرٌ وَرَاءَهُ قُرَيْشَ بْنَ شِبْلٍ، وَأَمَرَهُ بِمُبَادَرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَصَّنَ بِالْأَهْوَازِ، فَسَبَقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، وَوَصَلَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ قُرَيْشٌ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَالْتَفَتَ مُحَمَّدٌ إِلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ مَوَالِيهِ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ قَدْ رَجَعُوا عَنْهُ، فَقَالَ لِمَوَالِيهِ: مَا رَأْيُكُمْ؟ إِنِّي أَرَى مَنْ مَعِي قَدِ انْهَزَمَ، وَلَسْتُ آمَنُ خِذْلَانَهُمْ، وَلَا أَرْجُو رَجْعَتَهُمْ، وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى النُّزُولِ وَالْقِتَالِ بِنَفْسِي حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بِمَا أَحَبَّ، فَمَنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ فَلْيَنْصَرِفْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ تَبْقَوْا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَمُوتُوا.

فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَنْصَفْنَاكَ إِذًا أَنْ تَكُونَ قَدْ أَعْتَقْتَنَا مِنَ الرِّقِّ، وَرَفَعْتَنَا مِنَ الضَّعَةِ، وَأَغْنَيْتَنَا بَعْدَ الْقِلَّةِ، ثُمَّ نَخْذُلُكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَلَعَنَ اللَّهُ الدُّنْيَا وَالْعَيْشَ بَعْدَكَ!

ثُمَّ نَزَلُوا فَعَرْقَبُوا دَوَابَّهُمْ، وَحَمَلُوا عَلَى أَصْحَابِ قُرَيْشٍ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، فَأَكْثَرُوا فِيهِمُ الْقَتْلَ، وَقُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُهَلَّبِيُّ.

وَاسْتَوْلَى طَاهِرٌ عَلَى الْأَهْوَازِ وَأَعْمَالِهَا، وَاسْتَعْمَلَ الْعُمَّالَ عَلَى الْيَمَامَةِ وَالْبَحْرِينِ وَعُمَانَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمَهَالِبَةِ، وَجُرِحَ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ عِدَّةُ جِرَاحَاتٍ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ:

فَمَا لُمْتُ نَفْسِي غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُطِقْ ... حَرَاكًا، وَأَنِّي كُنْتُ بِالضَّرْبِ مُثْخَنَا

وَلَوْ سَلِمَتْ كَفَّايَ قَاتَلْتُ دُونَهُ ... وَضَارَبْتُ عَنْهُ الطَّاهِرِيَّ الْمُلَعَّنَا

فَتًى لَا يَرَى أَنْ يَخْذُلَ السَّيْفَ فِي الْوَغَى ... إِذَا ادَّرَعَ الْهَيْجَاءَ فِي النَّقْعِ وَاكْتَنَى

وَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ أَبِي عُيَيْنَةَ الْمُهَلَّبِيُّ عَلَى طَاهِرٍ وَمَدَحَهُ، فَحِينَ انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ:

مَا سَاءَ ظَنِّي إِلَّا بِوَاحِدَةٍ ... فِي الصَّدْرِ مَحْصُورَةٍ عَنِ الْكَلِمِ

تَبَسَّمَ طَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ سَاءَنِي مِنْ ذَلِكَ مَا سَاءَكَ، وَآلَمَنِي مَا آلَمَكَ، وَلَقَدْ كُنْتُ كَارِهًا لِمَا كَانَ، غَيْرَ أَنَّ الْحَتْفَ وَاقِعٌ، وَالْمَنَايَا نَازِلَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْأَوَاصِرِ وَالشُّكْرِ لِلْأَقَارِبِ فِي تَأْكِيدِ الْخِلَافَةِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّ الطَّاعَةِ. فَظَنَّ مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ أَرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>