خَيْلٍ، فَبَلَغَ طَاهِرًا الْخَبَرُ، فَوَجَّهَ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَلَاءِ فِي جَيْشٍ إِلَى طَرِيقِهِ، فَلَقِيَ الْفَضْلَ بِقَرْيَةِ الْأَعْرَابِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْفَضْلُ: إِنِّي سَامِعٌ مُطِيعٌ، وَإِنَّمَا كَانَ مَخْرَجِي كَيْدًا مِنِّي لِمُحَمَّدٍ الْأَمِينِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْعَلَاءِ: لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ، فَإِنْ أَرَدْتَ طَاهِرًا فَارْجِعْ وَرَاءَكَ، فَهُوَ أَسْهَلُ الطَّرِيقِ. فَرَجَعَ الْفَضْلُ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: كُونُوا عَلَى حَذَرٍ، فَلَا آمَنُ مَكْرَهُ.
ثُمَّ إِنَّ الْفَضْلَ رَجَعَ إِلَى ابْنِ الْعَلَاءِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ أُهْبَةٍ، فَرَآهُ مُتَيَقِّظًا حَذِرًا، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا كَأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْقِتَالِ، فَانْهَزَمَ الْفَضْلُ وَأَصْحَابُهُ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ طَاهِرٍ عَلَى الْمَدَائِنِ وَنُزُولِهِ بِصَرْصَرٍ
ثُمَّ إِنَّ طَاهِرًا سَارَ إِلَى الْمَدَائِنِ، وَبِهَا جَيْشٌ كَثِيرٌ لِلْأَمِينِ، عَلَيْهِمُ الْبَرْمَكِيُّ قَدْ تَحَصَّنَ بِهَا، وَالْمَدَدُ يَأْتِيهِ كُلَّ يَوْمٍ، وَالْخِلَعُ وَالصِّلَاتُ، فَلَمَّا قَرُبَ طَاهِرٌ مِنْهُ وَجَّهَ قُرَيْشَ بْنَ شِبْلٍ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْمَأْمُونِيَّ فِي مُقَدِّمَتِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ الْبَرْمَكِيِّ طُبُولَ طَاهِرٍ أَسْرَجُوا وَرَكِبُوا، وَأَخَذَ الْبَرْمَكِيُّ فِي التَّعْبِيَةِ، فَكَانَ كُلَّمَا سَوَّى صَفًّا انْتَقَضَ وَاضْطَرَبَ، وَانْضَمَّ أَوَّلُهُمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِذْلَانِ! ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِ سَاقَتِهِ: خَلِّ سَبِيلَ النَّاسِ، فَلَا خَيْرَ عِنْدَهُمْ. فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا نَحْوَ بَغْدَاذَ، فَنَزَلَ طَاهِرٌ الْمَدَائِنَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى تِلْكَ النَّوَاحِي، ثُمَّ سَارَ إِلَى صَرْصَرٍ، فَعَقَدَ بِهَا جِسْرًا وَنَزَلَهَا.
ذِكْرُ الْبَيْعَةِ لِلْمَأْمُونِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَلَعَ دَاوُدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - الْأَمِينَ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَبَايَعَ لِلْمَأْمُونِ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ مَا كَانَ مِنَ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ وَمَا فَعَلَ طَاهِرٌ، وَكَانَ الْأَمِينُ قَدْ كَتَبَ إِلَى دَاوُدَ بْنِ عِيسَى يَأْمُرُهُ بِخَلْعِ الْمَأْمُونِ، وَبَعَثَ أَخَذَ الْكِتَابَيْنِ مِنَ الْكَعْبَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ - فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَمَعَ دَاوُدُ وُجُوهَ النَّاسِ وَمَنْ كَانَ شَهِدَ فِي الْكِتَابَيْنِ، وَكَانَ دَاوُدُ أَحَدَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُمْ مَا أَخَذَ الرَّشِيدُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ عِنْدَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، لِابْنَيْهِ، لَنَكُونَنَّ مَعَ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا عَلَى الظَّالِمِ، وَمَعَ الْمَغْدُورِ بِهِ عَلَى الْغَادِرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَيْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ بَدَأَ بِالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَالْغَدْرِ وَالنَّكْثِ عَلَى أَخَوَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute