الْمَأْمُونِ وَالْمُؤْتَمَنِ، وَخَلَعَهُمَا عَاصِيًا لِلَّهِ، وَبَايَعَ لِابْنِهِ، طِفْلٍ صَغِيرٍ، رَضِيعٍ لَمْ يُفْطَمْ، وَأَخَذَ الْكِتَابَيْنِ مِنَ الْكَعْبَةِ، فَحَرَقَهُمَا ظَالِمًا، فَقَدْ رَأَيْتُ خَلْعَهُ، وَالْبَيْعَةَ لِلْمَأْمُونِ، إِذْ كَانَ مَظْلُومًا مَبْغِيًّا عَلَيْهِ.
فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَنَادَى فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَخَطَبَهُمْ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَخَلَعَ مُحَمَّدًا وَبَايَعَ لِلْمَأْمُونِ، وَكَتَبَ إِلَى ابْنِهِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ، فَخَلَعَ سُلَيْمَانُ الْأَمِينَ، وَبَايَعَ لِلْمَأْمُونِ.
فَلَمَّا أَتَاهُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ سَارَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ، ثُمَّ إِلَى فَارِسَ، ثُمَّ إِلَى كَرْمَانَ، حَتَّى صَارَ إِلَى الْمَأْمُونِ بِمَرْوَ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَسُرَّ الْمَأْمُونُ بِذَلِكَ سُرُورًا شَدِيدًا، وَتَيَمَّنَ بِبَرَكَةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
(وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ بِهِمَا فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَاسْتَعْمَلَ دَاوُدَ عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) ، وَأَضَافَ إِلَيْهِ وِلَايَةَ عَكَّ، وَأَعْطَاهُ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مَعُونَةً، وَسَيَّرَ مَعَهُ ابْنَ أَخِيهِ الْعَبَّاسَ بْنَ مُوسَى بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى، وَجَعَلَهُ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَسَارَا حَتَّى أَتَيَا طَاهِرًا بِبَغْدَاذَ، فَأَكْرَمَهُمَا وَقَرَّبَهُمَا، وَوَجَّهَ مَعَهُمَا يَزِيدَ بْنَ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ الْبَجَلِيَّ عَامِلًا عَلَى الْيَمَنِ، وَبَعَثَ مَعَهُ خَيْلًا كَثِيفَةً، فَلَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ دَعَا أَهْلَهَا إِلَى خَلْعِ الْأَمِينِ وَالْبَيْعَةِ لِلْمَأْمُونِ، وَوَعَدَهُمُ الْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِسِيرَةِ الْمَأْمُونِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى مَا طَلَبَ، وَخَلَعُوا مُحَمَّدًا وَبَايَعُوا لِلْمَأْمُونِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى طَاهِرٍ وَإِلَى الْمَأْمُونِ، وَسَارَ فِيهِمْ أَحْسَنَ سِيرَةٍ، وَأَظْهَرَ الْعَدْلَ.
ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ الْأَمِينُ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَقَدَ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ، فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ لِوَاءٍ لِقُوَّادٍ شَتَّى، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ نَهِيكٍ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى هَرْثَمَةَ بْنِ أَعْيَنَ، فَسَارُوا إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا بِنَوَاحِي النَّهْرَوَانِ فِي رَمَضَانَ فَانْهَزَمُوا، وَأُسِرَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى فَسَيَّرَهُ هَرْثَمَةُ إِلَى الْمَأْمُونِ، وَرَحَلَ هَرْثَمَةُ فَنَزَلَ النَّهْرَوَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute