للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ وُثُوبِ الْجُنْدِ بِطَاهِرٍ وَالْأَمِينِ وَنُزُولِهِ بِبَغْدَاذَ

وَأَقَامَ طَاهِرٌ بِصَرْصَرٍ مُشَمِّرًا فِي مُحَارَبَةِ الْأَمِينِ، وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ جَيْشٌ إِلَّا هَزَمَهُ.

وَبَذَلَ الْأَمِينُ الْأَمْوَالَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ طَاهِرٍ، فَسَارَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلَافٍ، فَسُرَّ بِهِمُ الْأَمِينُ، وَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ، وَفَرَّقَ فِيهِمْ مَالًا عَظِيمًا، وَغَلَّفَ لِحَاهُمْ بِالْغَالِيَةِ، فَسُمُّوا قُوَّادَ الْغَالِيَةِ، وَقَوَّدَ جَمَاعَةً مِنَ الْحَرْبِيَّةِ، وَوَجَّهَهُمْ إِلَى دَسْكَرَةِ الْمَلِكِ وَالنَّهْرَوَانِ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ كَثِيرٌ، وَنَدَبَ جَمَاعَةً مِنْ قُوَّادِ بَغْدَاذَ، وَوَجَّهَهُمْ إِلَى الْيَاسِرِيَّةِ، وَالْكَوْثَرِيَّةِ، وَفَرَّقَ الْجَوَاسِيسَ فِي أَصْحَابِ طَاهِرٍ، وَدَسَّ إِلَى رُؤَسَاءِ الْجُنْدِ، فَأَطْمَعَهُمْ وَرَغَّبَهُمْ، فَشَغَّبُوا عَلَى طَاهِرٍ، وَاسْتَأْمَنَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْأَمِينِ، فَانْضَمُّوا إِلَى عَسْكَرِهِ، وَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا صَرْصَرًا، فَعَبَّأَ طَاهِرٌ أَصْحَابَهُ كَرَادِيسَ، وَسَارَ فِيهِمْ يُمَنِّيهِمْ وَيُحَرِّضُهُمْ، وَيَعِدُهُمُ النَّصْرَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاقْتَتَلُوا مَلِيًّا مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ انْهَزَمَ أَصْحَابُ الْأَمِينِ، وَغَنِمَ عَسْكَرُ طَاهِرٍ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَبَلَغَ ذَلِكَ الْأَمِينَ فَأَخْرَجَ الْأَمْوَالَ وَفَرَّقَهَا، وَجَمَعَ أَهْلَ الْأَرْبَاضِ، وَقَوَّدَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَفَرَّقَ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ، وَأَعْطَى كُلَّ قَائِدٍ مِنْهُمْ قَارُورَةَ غَالِيَةٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي أَجْنَادِ الْقُوَّادِ وَأَصْحَابِهِمْ شَيْئًا.

فَبَلَغَ ذَلِكَ طَاهِرًا فَرَاسَلَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ وَاسْتَمَالَهُمْ، وَأَغْرَى أَصَاغِرَهُمْ بِأَكَابِرِهِمْ، فَشَغَبُوا عَلَى الْأَمِينِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَصَعُبَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِاسْتِمَالَتِهِمْ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ جَمَاعَةً مِنَ الْمُسْتَأْمِنَةِ وَالْمُحْدَثِينَ، فَقَاتَلُوهُمْ، وَرَاسَلَهُمْ طَاهِرٌ وَرَاسَلُوهُ، وَأَخَذَ رَهَائِنَهُمْ عَلَى بَذْلِ الطَّاعَةِ، وَأَعْطَاهُمُ الْأَمْوَالَ.

ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَصَارَ إِلَى مَوْضِعِ الْبُسْتَانِ الَّذِي عَلَى بَابِ الْأَنْبَارِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَنَزَلَ بِقُوَّادِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَنَزَلَ مَنِ اسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ مِنْ جُنْدِ الْأَمِينِ فِي الْبُسْتَانِ وَالْأَرْبَاضِ، وَأَضْعَفَ لِلْقُوَّادِ وَأَبْنَائِهِمْ وَالْخَوَاصِّ - الْعَطَاءَ، وَنَقَّبَ أَهْلُ السُّجُونِ السُّجُونَ، وَخَرَجُوا مِنْهَا، وَفُتِنَ النَّاسُ وَسَاءَتْ حَالُهُمْ، وَوَثَبَ الشُّطَّارُ عَلَى أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَسْكَرِ طَاهِرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>