للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْبَاضِ مِنْ طَرِيقِ الْأَنْبَارِ وَبَابِ الْكُوفَةِ وَمَا يَلِيهَا، فَكُلَّمَا أَجَابَهُ أَهْلُ نَاحِيَةٍ خَنْدَقَ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَبَى إِجَابَتَهُ قَاتَلَهُ، وَأَحْرَقَ مَنْزِلَهُ، وَوَحِشَتْ بَغْدَاذُ وَخَرِبَتْ، فَقَالَ حُسَيْنٌ الْخَلِيعُ:

أَتُسْرِعُ الرِّحْلَةَ إِغْذَاذًا ... عَنْ جَانِبَيْ بَغْدَاذَ أَمْ مَاذَا

؟

أَمَا تَرَى الْفِتْنَةَ قَدْ أُلِّفَتْ

إِلَى أُولِي الْفِتْنَةِ شُذَّاذَا ... وَانْتَفَضَتْ بَغْدَاذُ عُمْرَانُهَا

عَنْ رَأْيِ لَا ذَاكَ وَلَا هَذَا ... هَدْمًا وَحَرْقًا قَدْ أَبَادَ أَهْ

لَهَا عُقُوبَةٌ لَاذَتْ بِمَنْ لَاذَا ... مَا أَحْسَنَ الْحَالَاتِ إِنْ

لَمْ تَعُدْ بَغْدَاذُ فِي الْقِلَّةِ بَغْدَاذَا

وَسَمَّى طَاهِرٌ الْأَرْبَاضَ الَّتِي خَالَفَهُ أَهْلُهَا، وَمَدِينَةَ الْمَنْصُورِ، وَأَسْوَاقَ الْكَرْخِ وَالْخُلْدِ - دَارَ النَّكْثِ، وَقَبَضَ ضِيَاعَ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ مَنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْقُوَّادِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَذُلُّوا وَانْكَسَرُوا، وَذُلَّ الْأَجْنَادُ، وَضَعُفُوا عَنِ الْقِتَالِ، إِلَّا بَاعَةَ الطَّرِيقِ، وَالْعُرَاةَ، وَأَهْلَ السُّجُونِ، وَالْأَوْبَاشَ، وَالطَّرَّارِينَ، وَأَهْلَ السُّوقِ، فَكَانُوا يَنْهَبُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ.

وَكَانَ طَاهِرٌ لَا يَفْتُرُ فِي قِتَالِهِمْ، فَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ افْرَاهَمَرَدْ، الْمُوَكَّلُ بِقَصْرِ صَالِحٍ، فَأَمَّنَهُ وَسَيَّرَ إِلَيْهِ جُنْدًا كَثِيفًا، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، صَاحِبُ شُرْطَةِ الْأَمِينِ، وَكَانَ مُجِدًّا فِي نُصْرَةِ الْأَمِينِ، فَلَمَّا اسْتَأْمَنَ هَذَانِ إِلَى طَاهِرٍ أَشْفَى الْأَمِينُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَأَقْبَلَتِ الْغُوَاةُ مِنَ الْعَيَّارِينَ وَبَاعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْأَجْنَادِ، فَاقْتَتَلُوا دَاخِلَ قَصْرِ صَالِحٍ قِتَالًا عَظِيمًا، قُتِلَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرٍ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ قُوَّادِهِ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ تَكُنْ وَقْعَةٌ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا أَشَدُّ عَلَى طَاهِرٍ مِنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>