للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِنَّ طَاهِرًا كَاتَبَ الْقُوَّادَ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ، بَعْدَ أَنْ أَخَذَ ضِيَاعَهُمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْأَمَانِ وَالْبَيْعَةِ لِلْمَأْمُونِ، فَأَجَابَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ وَإِخْوَتُهُ، وَوَلَدُ الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ، وَيَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَاهَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ الطَّائِيُّ. وَكَاتَبَهُ غَيْرُهُمْ وَصَارَتْ قُلُوبُهُمْ مَعَهُ.

وَأَقْبَلَ الْأَمِينُ بَعْدَ وَقْعَةِ قَصْرِ صَالِحٍ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَوَكَّلَ الْأَمْرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ نَهِيكٍ، وَإِلَى الْهَرْشِ، فَكَانَ مَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْغَوْغَاءِ وَالْفُسَّاقِ يَسْلُبُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَبْلُغْنَا مِثْلُهُ.

فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ بِالنَّاسِ خَرَجَ عَنْ بَغْدَاذَ مَنْ كَانَتْ بِهِ قُوَّةٌ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا خَرَجَ أَمِنَ عَلَى مَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَكَانَ مَثَلُهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: ١٣] .

وَخَرَجَ عَنْهَا قَوْمٌ بِعِلَّةِ الْحَجِّ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ:

أَظْهَرُوا الْحَجَّ وَمَا يَنْوُونَهُ ... بَلْ مِنَ الْهَرْشِ يُرِيدُونَ الْهَرَبْ

كَمْ أُنَاسٍ أَصْبَحُوا فِي غِبْطَةٍ ... وُكِّلَ الْهَرْشُ عَلَيْهِمْ بِالْعَطَبْ

وَقَالَ بَعْضُ فِتْيَانِ بَغْدَاذَ:

بَكَيْتُ دَمًا عَلَى بَغْدَاذَ لَمَّا ... فَقَدْتُ غَضَارَةَ الْعَيْشِ الْأَنِيقِ

تَبَدَّلْنَا هُمُومًا مِنْ سُرُورٍ ... وَمِنْ سَعَةٍ تَبَدَّلْنَا بِضِيقِ

أَصَابَتْنَا مِنَ الْحُسَّادِ عَيْنٌ ... فَأَفْنَتْ أَهْلَهَا بِالْمَنْجَنِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>