وَقِيلَ: سَبْعَ سَاعَاتٍ، ثُمَّ أَحْيَاهُ وَرَفَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: انْزِلْ إِلَى مَرْيَمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْكِ عَلَيْكَ أَحَدٌ بُكَاءَهَا وَلَمْ يَحْزَنْ أَحَدٌ حُزْنَهَا. فَنَزَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَاشْتَعَلَ الْجَبَلُ حِينَ هَبَطَ نُورًا، وَهِيَ عِنْدَ الْمَصْلُوبِ تَبْكِي وَمَعَهَا امْرَأَةٌ كَانَ أَبْرَأَهَا مِنَ الْجُنُونِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمَا تَبْكِيَانِ؟ قَالَتَا: عَلَيْكَ! قَالَ: إِنِّي رَفَعَنِي اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ، وَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ شُبِّهَ لَهُمْ، وَأَمَرَهَا فَجَمَعَتْ لَهُ الْحَوَارِيِّينَ، فَبَثَّهُمْ فِي الْأَرْضِ رُسُلًا عَنِ اللَّهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغُوا عَنْهُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَكْسَاهُ الرِّيشَ، وَأَلْبَسَهُ النُّورَ، وَقَطَعَ عَنْهُ لَذَّةَ الْمَطْعَمِ، وَالْمَشْرَبِ، وَطَارَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، فَهُوَ مَعَهُمْ، فَصَارَ إِنْسِيًّا مَلَكِيًّا سَمَاوِيًّا أَرْضِيًّا.
فَتَفَرَّقَ الْحَوَارِيُّونَ حَيْثُ أَمَرَهُمْ، فَتِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي أَهْبَطَهُ اللَّهُ فِيهَا هِيَ الَّتِي تُدَخِّنُ فِيهَا النَّصَارَى.
وَتَعَدَّى الْيَهُودُ عَلَى بَقِيَّةِ الْحَوَارِيِّينَ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيَشْتُمُونَهُمْ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ مَلِكُ الرُّومِ، وَاسْمُهُ " هِيرُودَسُ "، وَكَانُوا تَحْتَ يَدِهِ، وَكَانَ صَاحِبَ وَثَنٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ يَفْعَلُ الْآيَاتِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ مِنَ الطِّينِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ فَعَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَكَانَ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ الْمَلِكُ: وَيْحَكُمْ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا هَذَا مِنْ أَمْرِهِ، فَوَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ مَا خَلَّيْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ! ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ فَانْتَزَعَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْيَهُودِ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ دِينِ عِيسَى، فَأَخْبَرُوهُ، وَتَابَعَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَاسْتَنْزَلَ الْمَصْلُوبَ الَّذِي شُبِّهَ لَهُمْ فَغَيَّبَهُ، وَأَخَذَ الْخَشَبَةَ الَّتِي صُلِبَ عَلَيْهَا فَأَكْرَمَهَا، وَصَانَهَا وَعَدَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةً، فَمِنْ هُنَاكَ كَانَ أَصْلُ النَّصْرَانِيَّةِ فِي الرُّومِ.
وَقِيلَ: كَانَ هَذَا الْمَلِكُ هِيرُودَسُ يَنُوبُ عَنِ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ الْمُلَقَّبِ قَيْصَرَ، وَاسْمُهُ طِيبَارِيُوسُ، وَكَانَ هَذَا أَيْضًا يُسَمَّى مَلِكًا. وَكَانَ مُلْكُ طِيبَارِيُوسَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهَا إِلَى ارْتِفَاعِ الْمَسِيحِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَيَّامٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute