عَجِبَ النَّاسُ إِذْ رَأَوْكَ عَلَى
صُورَةِ لَيْثٍ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ... سَبَّحُوا إِذْ رَأَوْكَ سِرْتَ عَلَيْهِ
كَيْفَ لَوْ أَبْصَرُوكَ فَوْقَ الْعُقَابِ ... ذَاتِ زَوْرٍ وَمِنْسَرٍ وَجَنَاحَيْ
نِ تَشُقُّ الْعُبَابَ بَعْدَ الْعُبَابِ ... تَسْبِقُ الطَّيْرَ فِي السَّمَاءِ إِذَا
مَا اسْتَعْجَلُوهَا بِجِيئَةٍ وَذَهَابِ
قَالَ الْكَوْثَرُ: أَمَرَ الْأَمِينُ أَنْ يُفْرَشَ لَهُ عَلَى دُكَّانٍ فِي الْخُلْدِ يَوْمًا، فَفُرِشَ عَلَيْهَا بِسَاطٌ زَرْعِيٌّ، وَنَمَارِقُ، وَفُرُشٌ مِثْلُهُ، وَهُيِّئَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَأَمَرَ قَيِّمَةَ جَوَارِيهِ أَنْ تُهَيِّئَ لَهُ مِائَةَ جَارِيَةٍ صَانِعَةٍ، فَتُصْعِدَ إِلَيْهِ عَشْرًا عَشْرًا بِأَيْدِيهِنَّ الْعِيدَانُ، يُغَنِّينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ، فَأَصْعَدَتْ إِلَيْهِ عَشْرًا، فَانْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ:
هُمْ قَتَلُوهُ كَيْ يَكُونُوا مَكَانَهُ ... كَمَا غَدَرَتْ يَوْمًا بِكِسْرَى مَرَازِبُهْ
فَسَبَّهُنَّ وَطَرَدَهُنَّ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَأَصْعَدَتْ عَشْرًا غَيْرَهُنَّ فَغَنَّيْنَهُ:
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
فَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ، وَأَطْرَقَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: أَصْعِدِي عَشْرًا. فَأَصْعَدَتْهُنَّ فَغَنَّيْنَ:
كُلَيْبٌ لَعَمْرِي كَانَ أَكْثَرَ نَاصِرًا ... وَأَيْسَرَ جُرْمًا مِنْكَ ضُرِّجَ بِالدَّمِ
فَقَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَأَمَرَ بِهَدْمِ الدُّكَّانِ، تَطَيُّرًا مِمَّا كَانَ.
قِيلَ: وَذُكِرَ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ عِنْدَ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ بِخُرَاسَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَا يُسْتَحَلُّ قَتْلُ مُحَمَّدٍ وَشَاعِرُهُ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ:
أَلَا فَاسْقِنِي خَمْرًا وَقُلْ لِي هِيَ الْخَمْرُ ... وَلَا تَسْقِنِي سِرًّا إِذَا أَمْكَنَ الْجَهْرُ
فَبَلَغَتِ الْقِصَّةُ الْأَمِينَ، فَحَبَسَ أَبَا نُوَاسٍ.