للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذِكْرُ الْغَزَاةِ إِلَى الْفِرِنْجِ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ الْحَكَمُ أَمِيرُ الْأَنْدَلُسِ جَيْشًا مَعَ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مُغِيثٍ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ، فَسَارَ بِالْعَسَاكِرِ حَتَّى دَخَلَ بِأَرْضِهِمْ، وَتَوَسَّطَ بِلَادَهُمْ، فَخَرَّبَهَا وَنَهَبَهَا وَهَدَمَ عِدَّةً مِنْ حُصُونِهَا، [وَكَانَ] كُلَّمَا أَهْلَكَ مَوْضِعًا وَصَلَ إِلَى غَيْرِهِ، فَاسْتَنْفَدَ خَزَائِنَ مُلُوكِهِمْ.

فَلَمَّا رَأَى مَلِكُهُمْ فِعْلَ الْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِهِمْ كَاتَبَ مُلُوكَ جَمِيعِ النَّوَاحِي مُسْتَنْصِرًا بِهِمْ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةُ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ، فَأَقْبَلَ فِي جُمُوعٍ عَظِيمَةٍ بِإِزَاءِ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، بَيْنَهُمْ نَهْرٌ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا عِدَّةَ أَيَّامٍ، الْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ يَعْبُرُونَ النَّهْرَ، وَهُمْ يَمْنَعُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ.

فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ تَأَخَّرُوا عَنِ النَّهْرِ، فَعَبَرَ الْمُشْرِكُونَ إِلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا أَعْظَمَ قِتَالٍ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى النَّهْرِ، فَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ وَالْأَسْرُ، فَمَنْ عَبَرَ النَّهْرَ سَلِمَ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ كُنُودِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَقَمَامِصَتِهِمْ، وَعَادَ الْفِرِنْجُ يَلْزَمُونَ جَانِبَ النَّهْرِ، يَمْنَعُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جَوَازِهِ، فَبَقُوا كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، يَقْتَتِلُونَ كُلَّ يَوْمٍ، فَجَاءَتِ الْأَمْطَارُ، وَزَادَ النَّهْرُ وَتَعَذَّرَ جَوَازُهُ، فَقَفَلَ عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْهُمْ سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ.

ذِكْرُ خُرُوجِ الْبَرْبَرِ بِنَاحِيَةِ مَوْرُورَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ خَارِجِيٌّ مِنَ الْبَرْبَرِ بِنَاحِيَةِ مَوْرُورَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَوَصَلَ كِتَابُ الْعَامِلِ إِلَى الْحَكَمِ بِخَبَرِهِ، فَأَخْفَى الْحَكَمُ خَبَرَهُ، وَاسْتَدْعَى مِنْ سَاعَتِهِ قَائِدًا مِنْ قُوَّادِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ سِرًّا، وَقَالَ لَهُ: سِرْ مِنْ سَاعَتِكَ إِلَى هَذَا الْخَارِجِيِّ فَأْتِنِي بِرَأْسِهِ، وَإِلَّا فَرَأْسُكَ عِوَضُهُ، وَأَنَا قَاعِدٌ مَكَانِي هَذَا إِلَى أَنْ تَعُودَ.

فَسَارَ الْقَائِدُ إِلَى الْخَارِجِيِّ، فَلَمَّا قَارَبَهُ سَأَلَ عَنْهُ، فَأُخْبِرَ عَنْهُ بِاحْتِيَاطٍ كَثِيرٍ، وَاحْتِرَازٍ شَدِيدٍ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْحَكَمِ: إِنْ قَتَلْتَهُ، وَإِلَّا فَرَأْسُكَ عِوَضُهُ، فَحَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى سُلُوكِ سَبِيلِ الْمُخَاطَرَةِ، فَأَعْمَلَ الْحِيلَةَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ، وَأَحْضَرَ [رَأْسَهُ] عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>