مِينَاوَ، وَدَامَ الْحِصَارُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَكَلُوا الدَّوَابَّ وَالْكِلَابَ.
فَلَمَّا سَمِعَ مَنْ فِي مَدِينَةِ جِرْجِنْتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا هُمْ عَلَيْهِ هَدَمُوا الْمَدِينَةَ، وَسَارُوا إِلَى مَازَرَ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نُصْرَةِ إِخْوَانِهِمْ، وَدَامَ الْحَالُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ أَشْرَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْهَلَاكِ، وَإِذْ قَدْ أَقْبَلَ أُسْطُولٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَنْدَلُسِ، خَرَجُوا غُزَاةً، وَوَصَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَرَاكِبُ كَثِيرَةٌ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ مَدَدًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَبَلَغَتْ عِدَّةُ الْجَمِيعِ ثَلَاثَمِائَةِ مَرْكَبٍ، فَنَزَلُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَانْهَزَمَ الرُّومُ عَنْ حِصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَسَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَدِينَةِ بَلَرْمَ، فَحَصَرُوهَا، وَضَيَّقُوا عَلَى مَنْ بِهَا، فَطَلَبَ صَاحِبُهَا الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِهِ وَلِمَالِهِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَسَارَ فِي الْبَحْرِ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ.
وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْبَلَدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، فَلَمْ يَرَوْا فِيهِ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافِ إِنْسَانٍ، وَكَانَ فِيهِ لَمَّا حَصَرُوهُ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَمَاتُوا كُلُّهُمْ.
وَجَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: أَهْلُ إِفْرِيقِيَّةَ، وَأَهْلُ الْأَنْدَلُسِ - خُلْفٌ وَنِزَاعٌ، ثُمَّ اتَّفَقُوا، وَبَقِيَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ.
وَسَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَدِينَةِ قَصْرِيَانَّةَ، فَخَرَجَ مَنْ فِيهَا مِنَ الرُّومِ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، (وَانْهَزَمَ الرُّومُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ) ، ثُمَّ رَجَعُوا فِي الرَّبِيعِ فَقَاتَلُوهُمْ، فَنُصِرَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا.
ثُمَّ سَارُوا سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، (وَأَمِيرُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى قَصْرِيَانَّةَ، فَقَاتَلَهُمُ الرُّومُ، فَانْهَزَمُوا، وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ لِبِطْرِيقِهِمْ وَابْنُهُ، وَغَنِمُوا مَا كَانَ فِي عَسْكَرِهِمْ وَعَادُوا إِلَى بَلَرْمَ.
ثُمَّ سَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَسْكَرًا إِلَى نَاحِيَةِ طَبَرْمِينَ) ، عَلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ، فَغَنِمَ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ بَعْضُ عَسْكَرِهِ فَقَتَلُوهُ، وَلَحِقُوا بِالرُّومِ، فَأَرْسَلَ زِيَادَةُ اللَّهِ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ الْفَضْلَ بْنَ يَعْقُوبَ عِوَضًا مِنْهُ، فَسَارَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى نَاحِيَةِ سَرَقُوسَةَ، فَأَصَابُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَعَادُوا، ثُمَّ سَارَتْ سَرِيَّةٌ كَبِيرَةٌ، فَغَنِمَتْ وَعَادَتْ، فَعَرَضَ لَهُمُ الْبَطْرِيقُ مَلِكُ الرُّومِ بِصِقِلِّيَّةَ، وَجَمْعٌ كَثِيرٌ، فَتَحَصَّنُوا مِنَ الرُّومِ فِي أَرْضٍ وَعْرٍ، وَشَجَرٍ كَثِيفٍ، فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute