للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ قَدْ حَلَّ بِالْمُسْلِمِينَ وَبَاءٌ شَدِيدٌ، (سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ) ، هَلَكَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهَلَكَ فِيهِ أَمِيرُهُمْ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، وَوَلِيَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْجَوَارِي، فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ شِدَّةَ الْوَبَاءِ وَوُصُولَ الرُّومِ، تَحَمَّلُوا فِي مَرَاكِبِهِمْ لِيَسِيرُوا، فَوَقَفَ الرُّومُ فِي مَرَاكِبِهِمْ عَلَى بَابِ الْمَرْسَى، فَمَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخُرُوجِ.

فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ أَحْرَقُوا مَرَاكِبَهُمْ وَعَادُوا، وَرَحَلُوا إِلَى مَدِينَةِ مِينَاوَ، (فَحَصَرُوهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ، وَتَسَلَّمُوا الْحِصْنَ، فَسَارَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى حِصْنِ جَرْجَنْتَ، فَقَاتَلُوا أَهْلَهُ وَمَلَكُوهُ، وَسَكَنُوا فِيهِ، وَاشْتَدَّتْ نُفُوسُ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْفَتْحِ وَفَرِحُوا.

ثُمَّ سَارُوا إِلَى مَدِينَةِ قَصْرِيَانَّةَ وَمَعَهُمْ فِيمِي، فَخَرَجَ أَهْلُهَا إِلَيْهِ، فَقَبَّلُوا الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجَابُوا إِلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ، وَخَدَعُوهُ، ثُمَّ قَتَلُوهُ.

وَوَصَلَ جَيْشٌ كَثِيرٌ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَدَدًا لِمَنْ فِي الْجَزِيرَةِ، فَتَصَافُّوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ، فَانْهَزَمَ الرُّومُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَدَخَلَ مَنْ سَلِمَ قَصْرِيَانَّةَ.

وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْجَوَارِي أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ زُهَيْرُ بْنُ غَوْثٍ.

ثُمَّ إِنَّ سَرِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ سَارَتْ لِلْغَنِيمَةِ، فَخَرَجَ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنَ الرُّومِ فَاقْتَتَلُوا، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، وَعَادُوا مِنَ الْغَدِ، وَمَعَهُمْ جَمْعُ الْعَسْكَرِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرُّومُ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا وَحَشَدُوا، وَتَصَافُّوا مَرَّةً ثَانِيَةً، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا، وَقُتِلَ مِنْهُمْ نَحْوُ أَلْفِ قَتِيلٍ، وَعَادُوا إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، وَخَنْدَقُوا عَلَيْهِمْ، فَحَصَرَهُمُ الرُّومُ، وَدَامَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، فَضَاقَتِ الْأَقْوَاتُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَعَزَمُوا عَلَى بَيَاتِ الرُّومِ، فَعَلِمُوا بِهِمْ، فَفَارَقُوا الْخِيَمَ، وَكَانُوا بِالْقُرْبِ مِنْهَا، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَرَوْا أَحَدًا.

وَأَقْبَلَ الرُّومُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ، فَدَخَلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>