وَكَانَ سَبَبَ مَسِيرِهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَى أَخْبَرَ الْمَأْمُونَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْقِتَالِ، مُذْ قُتِلَ الْأَمِينُ، وَبِمَا كَانَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ يَسْتُرُ عَنْهُ مِنْ أَخْبَارٍ، وَأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ وَالنَّاسَ قَدْ نَقَمُوا عَلَيْهِ أَشْيَاءَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَسْحُورٌ، مَجْنُونٌ، وَأَنَّهُمْ قَدْ بَايَعُوا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ بِالْخِلَافَةِ.
فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: لَمْ يُبَايِعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، وَإِنَّمَا صَيَّرُوهُ أَمِيرًا يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْفَضْلُ. فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْفَضْلَ قَدْ كَذِبَهُ، وَأَنَّ الْحَرْبَ قَائِمَةٌ بَيْنَ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ وَإِبْرَاهِيمَ، وَالنَّاسُ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ مَكَانَهُ، وَمَكَانَ أَخِيهِ الْفَضْلِ، وَمَكَانِي، وَمَكَانَ بَيْعَتِكَ لِي مِنْ بَعْدِكَ.
فَقَالَ: وَمَنْ يَعْلَمُ هَذَا؟ قَالَ: يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ وُجُوهِ الْعَسْكَرِ. فَأَمَرَ بِإِدْخَالِهِمْ، فَدَخَلُوا، فَسَأَلَهُمْ عَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَلَمْ يُخْبِرُوهُ حَتَّى يَجْعَلَ لَهُمُ الْأَمَانَ مِنَ الْفَضْلِ أَنْ لَا يَعْرِضَ إِلَيْهِمْ.
فَضَمِنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَكَتَبَ لَهُمْ خَطَّهُ بِهِ، فَأَخْبَرُوهُ بِالْبَيْعَةِ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ، وَأَنَّ أَهْلَ بَغْدَاذَ قَدْ سَمَّوْهُ الْخَلِيفَةَ السُّنِّيَّ، وَأَنَّهُمْ يَتَّهِمُونَ الْمَأْمُونَ بِالرَّفْضِ؛ لِمَكَانِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى مِنْهُ، وَأَعْلَمُوهُ بِمَا فِيهِ النَّاسُ، وَبِمَا مَوَّهَ عَلَيْهِ الْفَضْلُ مِنْ أَمْرِ هَرْثَمَةَ، وَأَنَّ هَرْثَمَةَ إِنَّمَا جَاءَهُ لِيَنْصَحَهُ، فَقَتَلَهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْ أَمْرَهُ خَرَجَتِ الْخِلَافَةُ مِنْ يَدِهِ، وَأَنَّ طَاهِرَ بْنَ الْحُسَيْنِ قَدْ أَبْلَى فِي طَاعَتِهِ مَا يَعْلَمُهُ، فَأُخْرِجَ مِنَ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَجُعِلَ فِي زَاوِيَةٍ مِنَ الْأَرْضِ بِالرَّقَّةِ، لَا يُسْتَعَانُ بِهِ فِي شَيْءٍ، حَتَّى ضَعُفَ أَمْرُهُ، وَشَغَبَ عَلَيْهِ جُنْدُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَغْدَاذَ لَضَبَطَ الْمُلْكَ، وَأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَفَتَّقَتْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَسَأَلُوا الْمَأْمُونَ الْخُرُوجَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَإِنَّ أَهْلَهَا لَوْ رَأَوْكَ لَأَطَاعُوكَ.
فَلَمَّا تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَمَرَ بِالرَّحِيلِ، فَعَلِمَ الْفَضْلُ بِالْحَالِ، فَبَغَتَهُمْ حَتَّى ضَرَبَ بَعْضَهُمْ، وَحَبَسَ بَعْضَهُمْ، وَنَتَفَ لِحَى بَعْضِهِمْ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى لِلْمَأْمُونِ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ: أَنَا أَدْرِي. ثُمَّ ارْتَحَلَ، فَلَمَّا أَتَى سَرْخَسَ وَثَبَ قَوْمٌ بِالْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَتَلُوهُ فِي الْحَمَّامِ، وَكَانَ قَتْلُهُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، أَحَدُهُمْ غَالِبٌ الْمَسْعُودِيُّ الْأَسْوَدُ، وَقُسْطَنْطِينُ الرُّومِيُّ، وَفَرَجٌ الدَّيْلَمِيُّ، وَمُوَفَّقٌ الصَّقْلَبِيُّ، وَكَانَ عُمْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute