للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِلْمِلَّةِ عَدْلًا وَصَلَاحًا، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُحْسِنَ عَوْنَكَ، وَتَوْفِيقَكَ، وَرُشْدَكَ، وَكَلَاءَتَكَ. وَالسَّلَامُ.

فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ هَذَا الْكِتَابَ تَنَازَعُوهُ، وَكَتَبُوهُ، وَشَاعَ أَمْرُهُ، وَبَلَغَ الْمَأْمُونَ خَبَرُهُ، فَدَعَا بِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا بَقَّى أَبُو الطَّيِّبِ - يَعْنِي طَاهِرًا - شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، (وَالتَّدْبِيرِ، وَالرَّأْيِ) ، وَالسِّيَاسَةِ، وَإِصْلَاحِ الْمُلْكِ وَالرَّعِيَّةِ، وَحِفْظِ السُّلْطَانِ وَطَاعَةِ الْخُلَفَاءِ، وَتَقْوِيمِ الْخِلَافَةِ - إِلَّا وَقَدْ أَحْكَمَهُ، وَأَوْصَى بِهِ. وَأَمَرَ الْمَأْمُونُ فَكُتِبَ بِهِ إِلَى جَمِيعِ الْعُمَّالِ فِي النَّوَاحِي، فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى عَمَلِهِ، فَاتَّبَعَ مَا أُمِرَ بِهِ وَعُهِدَ إِلَيْهِ، وَسَارَ بِسِيرَتِهِ.

ذِكْرُ مَوْتِ الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ الْحَكَمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَتْ بَيْعَتُهُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ عُمْرُهُ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَاصِ، وَهُوَ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَكَانَ طَوِيلًا أَسْمَرَ، نَحِيفًا، وَكَانَ لَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَنَّدَ بِالْأَنْدَلُسِ الْأَجْنَادَ الْمُرْتَزَقِينَ، وَجَمَعَ الْأَسْلِحَةَ وَالْعُدَدَ، وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الْحَشَمِ وَالْحَوَاشِي، وَارْتَبَطَ الْخُيُولَ عَلَى بَابِهِ، وَتَشَبَّهَ بِالْجَبَابِرَةِ فِي أَحْوَالِهِ، وَاتَّخَذَ الْمَمَالِيكَ، وَجَعَلَهُمْ فِي الْمُرْتَزِقَةِ، فَبَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ خَمْسَةَ آلَافِ مَمْلُوكٍ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْخُرْسَ لِعُجْمَةِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَكَانُوا يَوْمًا عَلَى بَابِ قَصْرِهِ.

وَكَانَ يَطَّلِعُ عَلَى الْأُمُورِ بِنَفْسِهِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَبَعُدَ، وَكَانَ لَهُ نَفَرٌ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ يُطَالِعُونَهُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ، فَيَرُدُّ عَنْهُمُ الْمَظَالِمَ، وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ، وَكَانَ شُجَاعًا، مِقْدَامًا، مَهِيبًا، وَهُوَ الَّذِي وَطَّأَ لِعَقِبِهِ الْمُلْكَ بِالْأَنْدَلُسِ، وَكَانَ يُقَرِّبُ الْفُقَهَاءَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ.

ذِكْرُ وِلَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

لَمَّا مَاتَ الْحَكَمُ بْنُ هِشَامٍ قَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيُكَنَّى أَبَا

<<  <  ج: ص:  >  >>