إِلَيْهَا لِيَنْظُرَ مَوْضِعًا يُعَسْكِرُ فِيهِ.
وَكَانَ ابْنُ السَّرِيِّ قَدْ خَنْدَقَ عَلَى مِصْرَ خَنْدَقًا، فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِهِ مِنْ وُصُولِ الْقَائِدِ إِلَى مَا قَرُبَ مِنْهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فِي أَصْحَابِهِ، فَالْتَقَى هُوَ وَالْقَائِدُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَانَ الْقَائِدُ فِي قِلَّةٍ، فَجَالَ أَصْحَابُهُ، وَسَيَّرَ بَرِيدًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ بِخَبَرِهِ، فَحَمَلَ عَبْدُ اللَّهِ الرِّجَالَ عَلَى الْبِغَالِ، وَجَنَّبُوا الْخَيْلَ، وَأَسْرَعُوا السَّيْرَ، فَلَحِقُوا بِالْقَائِدِ وَهُوَ يُقَاتِلُ ابْنَ السَّرِيِّ، فَلَمَّا رَأَى ابْنُ السَّرِيِّ ذَلِكَ لَمْ يَصْبِرْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَانْهَزَمَ عَنْهُمْ، وَتَسَاقَطَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ فِي الْخَنْدَقِ، فَمَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ بِسُقُوطِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّنْ قَتَلَهُ الْجُنْدُ بِالسَّيْفِ.
وَدَخَلَ ابْنُ السَّرِيِّ مِصْرَ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، وَحَاصَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَلَمْ يَعُدِ ابْنُ السَّرِيِّ يَخْرُجُ إِلَيْهِ، وَأَنْفَذَ إِلَيْهِ أَلْفَ وَصَيْفٍ وَوَصِيفَةٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَلْفُ دِينَارٍ، فَسَيَّرَهُمْ لَيْلًا، فَرَدَّهُمُ ابْنُ طَاهِرٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: لَوْ قَبِلْتُ هَدِيَّتَكَ نَهَارًا لَقَبِلْتُهَا لَيْلًا {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ - ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: ٣٦ - ٣٧] . قَالَ: فَحِينَئِذٍ طَلَبَ الْأَمَانَ. وَقِيلَ: كَانَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ.
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ أَبِي السَّمْرَاءِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ إِلَى مِصْرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَدِمَشْقَ إِذْ نَحْنُ بِأَعْرَابِيٍّ قَدِ اعْتَرَضَ، فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّافِقِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ أَبِي رِبْعِيٍّ، وَنَحْنُ نُسَايِرُ الْأَمِيرَ، وَكُنَّا أَفْرَهَ مِنْهُ دَابَّةً، وَأَجُودَ كُسْوَةً، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَعْرَابِيُّ يَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِنَا، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا شَيْخُ، قَدْ أَلْحَحْتَ فِي النَّظَرِ، أَعَرَفْتَ شَيْئًا أَنْكَرْتَهُ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، مَا عَرَفْتُكُمْ قَبْلَ يَوْمِي هَذَا، وَلَكِنِّي رَجُلٌ حَسَنُ الْفِرَاسَةِ فِي النَّاسِ. قَالَ: فَأَشَرْتُ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي رِبْعِيٍّ، وَقُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا؟ فَقَالَ:
أَرَى كَاتِبًا دَاهِي الْكِتَابَةِ بَيِّنٌ ... عَلَيْهِ، وَتَأْدِيبُ الْعِرَاقِ مُنِيرُ
لَهُ حَرَكَاتٌ قَدْ يُشَاهِدْنَ أَنَّهُ ... عَلِيمٌ بِتَقْسِيطِ الْخَرَاجِ بَصِيرُ
وَنَظَرَ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّافِقِيِّ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute