للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَا سَلَفَ مِنِّي إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، فَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ كَيْفَ نَدَمِي عَلَى ذُنُوبِي، فَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ مِنْ عَظِيمِهَا، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ.

ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَأْمُونِ وَعُمْرِهِ وَصِفَتِهِ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمَأْمُونُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ، فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَحَضَرَهُ الْمَوْتُ، كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يُلَقِّنُهُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ وَعِنْدَهُ ابْنُ مَاسَوْيَهِ الطَّبِيبُ، فَقَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: دَعْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ فِي هَذِهِ الْحَالِ بَيْنَ رَبِّهِ وَمَانِي. فَفَتَحَ الْمَأْمُونُ عَيْنَيْهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ، فَعَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَرَادَ الْكَلَامَ فَعَجَزَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَكَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَنْ لَا يَمُوتُ ارْحَمْ مَنْ يَمُوتُ. ثُمَّ تُوُفِّيَ مِنْ سَاعَتِهِ.

وَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمَلَهُ ابْنُهُ الْعَبَّاسُ، وَأَخُوهُ الْمُعْتَصِمُ إِلَى طَرَسُوسَ، فَدَفَنَاهُ بِدَارِ خَاقَانَ خَادِمِ الرَّشِيدِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْمُعْتَصِمُ، وَوَكَّلُوا بِهِ حَرَسًا مِنْ أَبْنَاءِ أَهْلِ طَرَسُوسَ وَغَيْرِهِمْ، مِائَةَ رَجُلٍ، وَأُجْرِيَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ تِسْعُونَ دِرْهَمًا.

وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، سِوَى سِنِينَ كَانَ دُعِيَ لَهُ فِيهَا بِمَكَّةَ، وَأَخُوهُ الْأَمِينُ مَحْصُورٌ بِبَغْدَاذَ، وَكَانَ مُوْلِدُهُ لِلنِّصْفِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَتْ كُنْيَتُهُ أَبَا الْعَبَّاسِ، وَكَانَ رَبْعَةً، أَبْيَضَ، جَمِيلًا، طَوِيلَ اللِّحْيَةِ رَقِيقَهَا، قَدْ وَخَطَهَا الشَّيْبُ. وَقِيلَ: كَانَ أَسْمَرَ، تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ، أَجْنَى، أَعْيَنَ، ضَيِّقَ الْبَلْجَةِ، بِخَدِّهِ خَالٌ أَسْوَدُ.

ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَتِهِ وَأَخْبَارِهِ

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ السَّرَخْسِيُّ: تَعَرَّضَ رَجُلٌ لِلْمَأْمُونِ بِالشَّامِ مِرَارًا، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْظُرْ لِعَرَبِ الشَّامِ كَمَا نَظَرْتَ لِعَجَمِ خُرَاسَانَ! فَقَالَ لَهُ: أَكْثَرْتَ عَلَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَنْزَلْتُ قَيْسًا مِنْ ظُهُورِ خُيُولِهَا إِلَّا وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي بَيْتِ مَالِي دِرْهَمٌ وَاحِدٌ - يَعْنِي فِتْنَةَ ابْنِ شَبَثٍ الْعَامِرِيِّ - وَأَمَّا الْيَمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَحْبَبْتُهَا، وَلَا أَحَبَّتْنِي قَطُّ، وَأَمَّا قُضَاعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>