للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْفَنَاءِ، وَقَضَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَوَحَّدَ بِالْبَقَاءِ، وَقَضَى عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ الْفَنَاءَ.

[ثُمَّ] لْيُنْظَرْ مَا كُنْتُ فِيهِ مِنْ عِزِّ الْخِلَافَةِ، هَلْ أَغْنَى عَنِّي ذَلِكَ شَيْئًا إِذْ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ؟ لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنْ أُضْعِفَ عَلَيَّ بِهِ الْحِسَابُ، فَيَالَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هَارُونَ لَمْ يَكُنْ بَشَرًا، بَلْ لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ خَلْقًا.

يَا أَبَا إِسْحَاقَ، ادْنُ مِنِّي، وَاتَّعِظْ بِمَا تَرَى، وَخُذْ بِسِيرَةِ أَخِيكَ فِي الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ، وَاعْمَلْ فِي الْخِلَافَةِ إِذَا طَوَّقَكَهَا اللَّهُ عَمَلَ الْمُرِيدِ لِلَّهِ، الْخَائِفِ مِنْ عِقَابِهِ وَعَذَابِهِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِاللَّهِ وَمُهْلَتِهِ، فَكَأَنَّ قَدْ نَزَلَ بِكَ الْمَوْتُ، وَلَا تَغْفَلْ أَمْرَ الرَّعِيَّةِ وَالْعَوَامِّ، فَإِنَّ الْمُلْكَ بِهِمْ وَبِتَعَهُّدِكَ لَهُمْ، اللَّهَ اللَّهَ فِيهِمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَنْتَهِيَنَّ إِلَيْكَ أَمْرٌ فِيهِ صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَنْفَعَةٌ إِلَّا قَدَّمْتَهُ، وَآثَرْتَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ هَوَاكَ.

وَخُذْ مِنْ أَقْوِيَائِهِمْ لِضُعَفَائِهِمْ، وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ، وَأَنْصِفْ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْحَقِّ بَيْنَهُمْ، وَقَرِّبْهُمْ، وَتَأَنَّ بِهِمْ، وَعَجِّلِ الرِّحْلَةَ عَنِّي، وَالْقُدُومَ إِلَى دَارِ مُلْكِكَ بِالْعِرَاقِ، وَانْظُرْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَنْتَ بِسَاحَتِهِمْ، فَلَا تَغْفَلْ عَنْهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالْخُرَّمِيَّةُ فَأَغْزِهِمْ ذَا حَزَامَةٍ وَصَرَامَةٍ وَجَلَدٍ، وَاكْنُفْهُ بِالْأَمْوَالِ وَالْجُنُودِ، فَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُمْ فَتَجَرَّدْ لَهُمْ بِمَنْ مَعَكَ [مِنْ] أَنْصَارِكَ وَأَوْلِيَائِكَ، وَاعْمَلْ فِي ذَلِكَ عَمَلَ مُقَدِّمِ النِّيَّةِ فِيهِ، رَاجِيًا ثَوَابَ اللَّهِ عَلَيْهِ.

ثُمَّ دَعَا الْمُعْتَصِمَ، بَعْدَ سَاعَةٍ، حِينَ اشْتَدَّ الْوَجَعُ، وَأَحَسَّ بِمَجِيءِ أَمْرِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! عَلَيْهِ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، وَذِمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَقُومَنَّ بِحَقِّ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَلَتُؤْثِرَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِذْ أَنَا نَقَلْتُهَا مِنْ غَيْرِكَ إِلَيْكَ. قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ! قَالَ: هَؤُلَاءِ بَنُو عَمِّكَ مِنْ وَلَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمْ، وَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَاقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلَا تَغْفَلْ صِلَاتِهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِنْدَ مَحَلِّهَا، فَإِنَّ حُقُوقَهُمْ تَجِبُ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى، اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْمَلُوا لَهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أُمُورِكُمْ كُلِّهَا، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ وَنَفْسِي،

<<  <  ج: ص:  >  >>