للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: أَفْعَلُ. قَالَ: إِذَا حَضَرُوا عِنْدَكَ فَمُرْ فُلَانًا الْخَادِمَ يُوصِلُ رُقْعَتِي إِلَيْكَ، فَإِذَا قَرَأْتَهَا فَأَرْسِلْ إِلَيَّ: دُخُولُكَ (فِي هَذَا الْوَقْتِ) مُتَعَذَّرٌ، وَلَكِنِ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ: أَفْعَلُ. فَلَمَّا عَلِمَ الْيَزِيدِيُّ جُلُوسَ الْمَأْمُونِ مَعَ نُدَمَائِهِ، وَتَيَقَّنَ أَنَّهُمْ قَدْ أَخَذَ الشَّرَابُ مِنْهُمْ، أَتَى الْبَابَ، فَدَخَلَ، فَدَفَعَ إِلَى الْخَادِمِ رُقْعَتَهُ، فَإِذَا فِيهَا: يَا خَيْرَ إِخْوَانِي وَأَصْحَابِي! هَذَا الطُّفَيْلِيُّ عَلَى الْبَابِ خُبِّرَ أَنَّ الْقَوْمَ فِي لَذَّةٍ يَصْبُو إِلَيْهَا كُلُّ أَوَّابِ فَصَيِّرُونِي وَاحِدًا مِنْكُمْ أَوْ أَخْرِجُوا لِي بَعْضَ أَتْرَابِي

فَقَرَأَهَا الْمَأْمُونُ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْنَا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ: دُخُولُكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُتَعَذَّرٌ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ! فَقَالَ: مَا أُرِيدُ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ. فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: قَدِ اخْتَارَكَ فَصِرْ إِلَيْهِ! قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَكُونُ شَرِيكَ الطُّفَيْلِيِّ؟ فَقَالَ: مَا يُمْكِنُ رَدُّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَمْرَيْنِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَافْتَدِ نَفْسَكَ مِنْهُ! فَقَالَ: عَلَيَّ عَشَرَةُ آلَافٍ. قَالَ: لَا يُقْنِعُهُ. فَمَا زَالَ يَزِيدُ عَشَرَةً عَشَرَةً وَالْمَأْمُونُ يَقُولُ: لَا يُقْنِعُهُ، حَتَّى بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: فَعَجِّلْهَا. فَكَتَبَ بِهَا إِلَى وَكِيلِهِ، وَوَجَّهَ مَعَهُ رَسُولًا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ: قَبْضُ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ أَصْلَحُ مِنْ مُنَادَمَتِهِ، وَأَنْفَعُ لَكَ.

وَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ عَقِيلٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السِّمْطِ: أَعَلِمْتَ أَنَّ الْمَأْمُونَ لَا يُبْصِرُ الشِّعْرَ؟ قُلْتُ: وَمَنْ يَكُونُ أَعْلَمَ مِنْهُ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنُنْشِدُهُ أَوَّلَ الْبَيْتِ فَيَسْبِقُنَا إِلَى آخِرِهِ. قَالَ: إِنِّي أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا أَجَدْتُ فِيهِ، فَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَهُ. قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:

أَضْحَى إِمَامُ الْهُدَى الْمَأْمُونُ مُشْتَغِلًا ... بِالدِّينِ وَالنَّاسُ بِالدُّنْيَا مَشَاغِيلُ

قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، وَهَلْ زِدْتَ عَلَى أَنْ جَعَلْتَهُ عَجُوزًا فِي مِحْرَابِهَا، فَمَنِ الَّذِي يَقُومُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا إِذَا تَشَاغَلَ عَنْهَا، وَهُوَ الْمُطَوَّقُ بِهَا؟ هَلَّا قُلْتَ كَمَا قَالَ (جَدِّي جَرِيرٌ فِي عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْوَلِيدِ:

فَلَا هُوَ فِي الدُّنْيَا يُضِيعُ نَصِيبَهُ ... وَلَا عَرَضُ الدُّنْيَا عَنِ الدِّينِ شَاغِلُهْ

فَقَالَ: الْآنَ عَلِمْتُ أَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>