وَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ عَقِيلٍ: أَنْشَدْتُ الْمَأْمُونَ قَصِيدَةً مِائَةَ بَيْتٍ، فَأَبْتَدِئُ بِصَدْرِ الْبَيْتِ، فَيُبَادِرُنِي إِلَى قَافِيَتِهِ كَمَا قَفَّيْتُهُ.
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا سَمِعَهَا مِنِّي أَحَدٌ قَطُّ. فَقَالَ: هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ أَنْشَدَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: تَشُطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَلدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أَبْعَدُ. . . . حَتَّى أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ يُقَفِّيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا ابْنُ ذَاكَ.
وَذُكِرَ أَنَّ الْمَأْمُونَ قَالَ:
بَعَثْتُكَ مُرْتَادًا فَفُزْتَ بِنَظْرَةٍ ... وَأَغْفَلْتَنِي حَتَّى أَسَأْتُ بِكَ الظَّنَّا
فَنَاجَيْتَ مَنْ أَهْوَى وَكُنْتُ مُبَاعَدًا ... فَيَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْ دُنُوِّكَ مَا أَغْنَى
أَرَى أَثَرًا مِنْهُ بِعَيْنَيْكَ بَيِّنًا ... لَقَدْ أَخَذَتْ عَيْنَاكَ مِنْ عَيْنِهِ حُسْنَا
قِيلَ: وَإِنَّمَا أَخَذَ الْمَأْمُونُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: إِنْ تَشْقَ عَيْنِي بِهَا فَقَدْ سَعِدَتْ عَيْنُ رَسُولِي وَفُزْتُ بِالْخَبَرِ وَكُلَّمَا جَاءَنِي الرَّسُولُ لَهَا رَدَّدْتُ عَمْدًا فِي عَيْنِهِ نَظَرِي خُذْ مُقْلَتِي يَا رَسُولُ عَارِيَةً فَانْظُرْ بِهَا وَاحْتَكِمْ عَلَى بَصَرِي
قِيلَ: وَشَكَا الْيَزِيدِيُّ يَوْمًا إِلَى الْمَأْمُونِ دَيْنًا لَحِقَهُ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَا إِنْ أَعْطَيْنَاكَ بَلَغْتَ بِهِ مَا تُرِيدُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ غُرَمَائِي قَدْ أَرْهَقُونِي. قَالَ: انْظُرْ لِنَفْسِكَ أَمْرًا تَنَالُ بِهِ نَفْعًا. قَالَ: إِنَّ لَكَ نُدَمَاءَ، فِيهِمْ مَنْ إِنْ حَرَّكْتَهُ نِلْتُ بِهِ نَفْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute