عَلَى الْبَرِّ الْمُتَّصِلِ بِرُومِيَّةَ وَبِلَادِ الْفِرِنْجِ وَالْأَنْدَلُسِ، وَالرُّومُ تُسَمِّيهَا اسْتَنْبُولَ، يَعْنِي مَدِينَةَ الْمُلْكِ.
وَلِعِشْرِينَ سَنَةً مَضَتْ مِنْ مُلْكِهِ كَانَ السَّنْهُودَسُ الْأَوَّلُ بِمَدِينَةِ نِيقِيَّةَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَمَعْنَاهُ الِاجْتِمَاعُ، فِيهِ أَلْفَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أُسْقُفًا، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًا مُتَّفِقِينَ غَيْرَ مُخْتَلِفِينَ، فَحَرَّمُوا آرِيُوسَ الْإِسْكَنْدَرَانِيَّ الَّذِي يُضَافُ إِلَيْهِ الْآرِيُوسِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى، وَوَضَعَ شَرَائِعَ النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَكَانَ رَئِيسُ هَذَا الْمَجْمَعِ بَطْرَقَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ مُلْكِهِ سَارَتْ أُمُّهُ هِيلَانَى الرُّهَاوِيَّةُ، كَانَ أَبُوهُ سَبَاهَا مِنَ الرُّهَاءِ، فَأَوْلَدَهَا هَذَا الْمَلِكَ، فَسَارَتْ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ وَأَخْرَجَتِ الْخَشَبَةَ الَّتِي تَزْعُمُ النَّصَارَى أَنَّ الْمَسِيحَ صُلِبَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، فَهُوَ عِيدُ الصَّلِيبِ، وَبَنَتِ الْكَنِيسَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِقُمَامَةَ، وَتُسَمَّى الْقِيَامَةَ، وَهِيَ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا يَحُجُّهَا أَنْوَاعُ النَّصَارَى.
وَقِيلَ: كَانَ مَسِيرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَهَا دَانَ النَّصْرَانِيَّةَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ. وَفِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ مُلْكِهِ طَبَّقَ جَمِيعَ مَمَالِيكِهِ بِالْبِيَعِ هُوَ وَأُمُّهُ، مِنْهَا: كَنِيسَةُ حِمْصَ، وَكَنِيسَةُ الرُّهَاءِ، وَهِيَ مِنَ الْعَجَائِبِ.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ قُسْطَنْطِينُ أَنْطَاكِيَّةَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ إِلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَإِلَى أَخِيهِ قُسْطَنْسَ أَنْطَاكِيَّةَ، وَالشَّامَ، وَمِصْرَ، وَالْجَزِيرَةَ، وَإِلَى أَخِيهِ قَسْطُوسَ رُومِيَّةَ وَمَا يَلِيهَا مِنْ بِلَادِ الْفِرِنْجِ وَالصَّقَالِبَةِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْا الْمَوَاثِيقَ بِالِانْقِيَادِ لِأَخِيهِمَا قُسْطَنْطِينَ.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ يُولْيَانُوسُ ابْنُ أَخِيهِ سَنَتَيْنِ، وَكَانَ يَدِينُ بِمَذْهَبِ الصَّابِئِينَ وَيُخْفِي ذَلِكَ. فَلَمَّا مَلَكَ أَظْهَرَهَا وَخَرَّبَ الْبِيَعَ وَقَتَلَ النَّصَارَى، وَهُوَ الَّذِي سَارَ إِلَى الْعِرَاقِ أَيَّامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute